تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

أعمال الأخوين كمبانا...

بدايتهما تشبه بداية الأفلام الرومانسية...

المكان: مدينة ساوباولو في البرازيل

الزمان: يوم صيفي مشرق من بداية ثمانينات القرن الماضي.

قرر  همبرتو كمبانا مغادرة مكتبه مبكراً للتنزه على شاطىء المحيط. وعندما عاد الى المنزل كان في جعبته بعض الأصداف التي جمعها أثناء مشواره. التقط فرناندو هذه الأصداف ولصقها فوق برواز خشبي قديم... النتيجة كانت مدهشة، أثارت اعجاب الأصدقاء والزوار. في ذلك اليوم، لم يخطر في بال المحامي همبرتو الأخ الأكبر و المهندس المعماري فرناندو الأخ الأصغر انهما يخطوان الخطوة الأولى نحو مهنة جديدة ستجعل منهما أشهر المصممين البرازيليين، وأكثر المصممين طرافة وجسارة في العالم. مشوار طويل، قطعه الأخوان كمبانا منذ ذلك اليوم. مشوار من العمل الدؤوب والتجارب المتنوعة.

اسلوبها مميز، ليس فقط في طرحه معادلة جديدة لعلاقة الفن بالديزاين، وإنما أيضاً في تعامله مع المواد وصلتها بالبيئة، ذلك أن المواد الطبيعية التي يستعملها الأخوان كمبانا هي على تنوعها من المواد المستعادة والمخلفات الصناعية التي تؤسس لقواعد جديدة في التعامل مع البيئة واحترامها.

يقول همبرتو في احدى المقابلات: «لم نكن نستطيع شراء المواد النبيلة من اخشاب الأمازون، لكننا استعضنا عنها بكل ما تلفظه شوارع المدن الكبيرة مثل  مدينة ساوباولو من مواد مختلفة: خشب، معادن، زجاج، مطاط، دمى مصنوعة من القماش، وخراطيم بلاستيكية والياف لنباتات مختلفة... كان يكفي الخروج الى الشوارع المحيطة بمحترفنا لنجد كل ما نحتاجه من مواد، نقوم بصياغتها وتحويلها الى قطع فنية جميلة ومفيدة.
يستوحي الأخوان كمبانا مواضيع اعمالهما من أجواء موطنهما البرازيل، بكل ما تجسده من تناقض. فهذا الخليط من الشعوب والثقافات والفنون الى جانب الفقر والفوضى والمظاهر الحياتية الصادمة البعيدة عن الكمال، كان ينبوع إلهام لا ينضب لأعمال الأخوين التي عبرت بشكل أمين عن هذا الكيان الزاخر بالألوان والمشاعر والصور. فقد رأى الأخوان في البيئة البرازيلية الشعبية، بكل تناقضاتها وفوضاها التي تعم كل شيء في الحياة اليومية، مفهوماً آخر لمعاني السعادة واللعب. فبدت لهما كحالة ذهنية حرة مثيرة حتى في أخطائها وملامح القبح فيها. ومن هذا المنظور انطلقت ورشة الابداع باسلوب آسر. وتحولت المواد والمخلفات التي يجمعانها من الشوارع والحارات الى تحف تحمل توقيعهما ويتسابق جامعو التحف الفنية على اقتنائها، وتجذب اليها أنظار هواة الفنون والديزاين في كل أنحاء العالم.

«نحن عاجزان عن رسم أشياء بأشكال منتظمة وصحيحة. إستلهامنا هو من بلادنا: الفوضى الحضرية، الخليط الاجتماعي، وبيوت الصفيح... ونحن على إستعداد للقيام أي شيء يبقينا قريبين من هذا الواقع». هكذا يتحدث الأخوان كمبانا بشكل مستمر، رغم الشهرة العالمية التي حظيا بها.

نقطة تحوّل
عام 1997 شهد نقطة تحول مهمة في مسيرة الأخوين كمبانا. بالطبع لم يكن هذا التحول على مستوى الاسلوب ولكن على مستوى التسويق والانتشار العالمي. فكان لقاؤهما«ماسيمو موروزي» الذي كان في ذلك الوقت مديراً فنياً ل«إدرا»، وهي واحدة من أشهر المؤسسات الايطالية في انتاج الأثاث الراقي. وقد نتج عن هذا اللقاء تحول كبير في عملية انتاج أعمال الأخوين كمبانا، اذ بدأت مسيرة انتاج أعمالهما باعداد محدودة. وقد سمحت هذه العملية لأعمال الأخوين في الوجود في أكثر من مكان في الوقت نفسه، وعلى الأخص في لندن ونيويورك وميلانو. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف هذا الثنائي البرازيلي عن غزو العالم، محققاً نجاحات تكبر مثل كرة الثلج.
ومن أجل إبتكار عناصر ديكور إستثنائية، استعانت «اليسي» الشهيرة بالأخوين كمبانا ليمنحا هذه الماركة العريقة مظهراً جديداً.

وقد نتج عن هذا التعاون مجموعة بالغة الجمال والغرابة، تم طرحها تحت إسم «بلو آب». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد قدما «بولو لاكوست» الشهيرة بتصاميم  بالغة الأناقة والفرادة، باعداد محدودة، تحولت الى قطع فنية ساحرة. ولم يتردد الأخوان كمبانا في تقديم تصاميم فريدة من الأحذية وحقائب اليد النسائية للماركة البرازيلية الأكثر شهرة ميليسا. وامتد نشاطهما أيضاً ليصل الى عناصر اضاءة بالغة السحر والجاذبية.
ولكن هذا النجاح الكبير يعود في الحقيقة الى العمل نفسه والمخيلة التي تقف وراءه. ومن هنا فإن نشاطهما الابتكاري لا يزال حتى اليوم في محترفهما في ساو باولو، وهناك يستمران في إبداعهما.

معارض ونشاطات
معارض متعددة، ومجموعات تتبنى إنتاجها ماركات عالمية فاخرة، ومتاحف تشرع لهما الأبواب لاستقبال روائع من التصاميم والتحف تقدر اثمانها بمبالغ سخية، لم تكن تخطر يوماً في بال هذا الثنائي البرازيلي الشهير.
متحف الديزاين في لندن خصص لهما معرضاً إستعادياً، و في عام 1998 خصص متحف الفن الحديث «موما» في نيويورك معرضاً لأعمالهما بعنوان «بروجيتو 66». وفي باريس منحهما صالون الأثاث الشهير «الرقم الذهبي» لنتائج تعاونهما مع «إدرا» الايطالية. وفي هذا العام خصص لهما «متحف فيترا للديزاين» في إلمانيا معرضاً مشهوداً. هذا عدا عن نشاطهما الفني الجاذب في ميلانو.

بالطبع، يصعب الحديث عن الأخوين كمبانا ككيان واحد متجانس في كل شيء او النظر اليهما كتوأمين. صحيح أنهما متشابهان شكلاً وفكراً، الا أن لكل واحد منهما له استقلاليته وحريته الكاملة في التفكير وتطوير نفسه، دون ان ينفصل عن الآخر.
البعض يعتبر الأخوين كمبانا من المصممين المشاكسين، فهما يعبران عن رؤيتهما وفلسفتهما في فن الديزاين بعفوية صريحة وجسارة ليس لها مثيل، متجاوزين كل القواعد والعوائق والأحكام المسبقة، مانحين الأعمال التي يبتكرانها بعداً جديداً يتماهى فيه الفن مع الديزاين بأسلوب جميل ومؤثر.
مبتكرات تشبه الكتاب المفتوح، ليس فقط من خلال عرضه البانورامي لأجواء البيئة البرازيلية الصاخبة، بألوانها وحركتها، ولكن أيضاً من خلال الثراء الذي يوفره التنوع والتعدد فيها.
مبتكرات مشحونة بشاعرية آسرة وشفافية صادمة، توقظ في النفس مشاعر الدهشة ممزوجة باختبار التأمل، وتتسلل الى الداخل لتستقر في الذاكرة وتصبح جزءاً منها. ومن هنا استحقا وبكل جدارة لقب "سفيري الثقافة البرازيلية في العال".

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078