تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

'تمارين لاصطياد فريسة' لعلي عطا

علي عطا

علي عطا

ديوان: 'تمارين لاصطياد فريسة'

ديوان: 'تمارين لاصطياد فريسة'

الديوان: «تمارين لاصطياد فريسة»

الشاعر: علي عطا

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب


لعلّ قصائد «تمارين لاصطياد فريسة» (الهيئة المصرية العامة للكتاب) هي الأكثر التصاقاً بشاعرها، والأكثر بُعداً عنه. فيها يحاول علي عطا الإمساك باللحظة، في بُعديها الشخصي والجماعي.
ومن قصيدة إلى أخرى، يجد القارئ نفسه محكوماً بالسؤال عن الفريسة التي يُلاحقها الشاعر، ليخال مرّة أنّها المرأة- الحبيبة، ومرّات أخرى أنّها القصيدة، حتى يتكشّف له أخيراً أنّ فريسة علي عطا ليست سوى اللحظة نفسها. هي اللحظة التي يعيشها الشاعر على طريقته ويعيشها العالم المُحيط به بطريقة مختلفة.
هكذا، تتداخل في القصيدة الواحدة التجربة الذاتية والعامة، الشخصية والوطنية، الحميمة والشمولية. «أصدّق/ ربما لأنني دخلت للتوّ/ موسماً جديداً للبوح، أو لأنني كسول جداً، في ما يتعلّق بتقصّي الأوضاع/ على الأرض/ أو لأنني لا أعرف/ كذاباً غيري في هذا العالم... هل تُصدّقين/ أنّ غرفتي بالفندق/ الذي استضاف قادة العرب/ بعد مولدي بعام واحد/ واسعة بما يكفي/ لنرقص معاً/ على أطلال القضية...».

يكتب الشاعر قصائده بمزاجين مختلفين، بعضها يُعيدك إلى زمن بريء ومتحرّر من التباس الواقع، وبعضها الآخر يضعك أمام حاضر مليء بالأسئلة التي قد تصعب الإجابة عنها.
وقد يكون اختلاف الأمزجة الشعرية في الديوان نفسه عائداً إلى كتابته في أوقات مختلفة، أي قبل الثورة وبعدها. قصائد عطا لا تعرض صورة واضحة عن مصر ما بعد الثورة، إلاّ أنّها تعكس بشفافية قصوى الواقع الراهن الذي يعيشه وطنه، وهذا ما بدا جليّاً في القصيدة الأولى من الديوان.

الموت، الملل، الغياب... هي أسئلة كثيرة تُحاصر الشاعر الذي لا يُبدي اهتماماً بمعرفة أجوبتها، لمعرفته بعدم وجودها ربما، ويعمل على الإستعاضة عنها بالحبّ القادر وحده على انتشال المرء من صراعاته: «ليست عندي إجابات/ فأنا مثلك مملوء بالأسئلة/ لكنني أسعى نحو مزيد منها/ دون أن أفكر لحظة/ في طرحها عليك/ ليس أمامك سوى الاستغناء بي/ عن العالم/ أنا الذي لا يصلح لتحمّل أيّ قدر من الألم/ ولا يستطيع حتى أن يكتب/ عن جاره الذي يعتصر أرضاً ليست له/ ويُرغم السائرين في أمان الله/ على الموت رعباً». (من قصيدة « فيما المخالب مستكينة في غمدها»).
ورغم الأسى الذي تحمله تيمات هذا الديوان، فإنّ أسلوب عطا العفوي يحوّل المعاناة إلى دهشة «مرهقان/ مع أننا لم نقطع/ ولو مجرد خطوة/ نحو ما نعتقد أنّ فيه خلاصنا/ ويدي/ ملوثة بدمك/ الذي لم ينزف بعد» (قصيدة «خلاص»).

يعمل علي عطا في مجموعته الشعرية هذه «تمارين لاصطياد فريسة» على عنصر التكثيف الذي يضغط أفكاره المتدفقة بوجلٍ لافت.
ورغم وفرة صوره ومجازاته، تبقى لغة علي عطا غير غنية بمعناها الشعري، وهذا ليس نقصاً في كتابته، بل هي نقطة تُحسب له لكونه اختار لغة من صميم الحياة اليومية، بكلماتها المعروفة ومفرداتها المتداولة، ونجح في أن يرفعها إلى مصاف اللغة الشعرية الجميلة والموحية «عسل/ وتمر/ وماء/ وصفتك المنقولة/ لعلاج الإكتئاب/ ربما أجرّبها/ ذات يوم». (إكتئاب).

يهدي علي عطا ديوانه الجديد إلى الكاتب الراحل إبراهيم أصلان، ولا ندري إن كان طيف أصلان هو المقصود في قصيدة «مشهد أخير» أم لا، لكنّ روحه تبقى هي الهائمة على مجمل قصائد الرحيل في الديوان.

 «تأملته/ من ظهره/ بدا لي أطول من المعتاد/ كان يسير بآلية/ لم أعدها فيه من قبل. يستحثّ الخطى/ كمن يرغب/ في أن يثبت لنفسه/ على الأقلّ/ قدرته على استعادة/ عمر آفل. تأملته/ معتمداً السير خلفه ببطء/ وتساءلت في نفسي/ أين إذاً الوعكة التي يتحدثون عنها؟/ عند المصعد قال «سلام»/ وأنساني شروده أن أودعه/ مضيت/ يُسلمنى دهليز/ إلى آخر/ حتى خرجت من باب المستشفى/ إلى الشارع/ دون أن يخطر لي/ أنني لن أراه/ ثانية». (قصيدة «المشهد الأخير»).

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077