أعمال المصمم حايمه هايون وريث دالي
ظريف، طريف، مضحك، عاطفي ولكنه مبدع حد الكمال. يعالج مواضيعه وتصاميمه بأسلوب شخصي جداً، مميز بتفرده. إنه الأسباني حايمه هايون، النجم الجديد للديزاين الحديث، بلا منازع. يثري عالم الزخرفة بالكثير من المبتكرات المدهشة. ثراء لا ينحصر في تعدد المجالات، ولكن أيضاً في السير بإتجاه معاكس للأتجاهات السائدة، وفي تجاوز كل القواعد والمعايير التقليدية...
أعماله التي يصعب تصنيفها ويستحيل تحديد إنتمائها، هي مزيج فريد من الجسارة والطرافة، من الغرابة والخيال الآسر. وهي تعبير أمين عن روح هذا العصر.
مبدع بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ. يعرف عن نفسه بأنه «فنان مصمم». هذا الاسباني الشاب، ولد في مدريد عام 1974، وفيها درس الرسم الصناعي، لينتقل بعدها الى باريس ويتابع دراسته في هذا المجال. وبعد ذلك ليلتحق بأكاديمية «لا فابريكا» (مركز أبحاث الاتصالات في تربفيس بإيطاليا) ويمضي 8 سنوات ، تدرج فيها من الدراسة الى رئاسة قسم التصميم. وهناك إلتقىأوليفيريو توسكاني مؤسس هذه الأكاديمية، وصاحب الشهرة العالمية كمبتكر لصورة «بينيتون» خلال 20 عاماً. ونشأ بينهما تعاون، ليس من الصعب تصور نتائجه الباهرة.
وفي عام 2005، بدأ هايون تطوير مشاريعه بصفة شخصية.
البداية كانت مع السيراميك والأثاث، ثم توسعت نشاطاته لتشمل الهندسة الداخلية، وأيضاً الأعمال الفنية، حيث لفت أنظار العاملين في مجال الفنون، فعرض لأول مرة في غاليري «ديفيد جيل» بلندن. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف نشاطه عند حد، فاقترن اسمه بأسماء كبيرة مثل «باكارا» و«سواروفسكي» و«اللادرو»، حيث لم يتردد هايون في إستخدام الطرافة والجرأة في العمل لهذه البيوت الراقية، مزاوجاً بين تاريخها كمؤسسات وبين رؤيته الخاصة للانتقال بها الى حداثة مؤكدة. المعجبون بأسلوبه الخيالي وأعماله الغريبة، يرون فيه وجهاً سوريالياً واضحا مثل كتاب مفتوح، أما هو فيرى بنفسه ابن تلك الأرض التي ولد وترعرع فيها سلفادور دالي، وأنه يحمل في جيناته بعضاً من غرابة مخيلته وجنونها. البوفيه الهائل المثير للاهتمام الذي صممه هايون بطول بلغ الستة امتار، من اللون الأزرق اللامع، تشكله وحدات قابلة للتعديل، وقوائم تجمع بين العديد من الأساليب الزخرفية المعروفة، بدءا بفن «الآرت ديكو» وطراز «لويس الخامس عشر»، الى انواع مختلفة من الفن الحديث المعاصر.
هذا البوفيه، يشكل واحداً من المبتكرات الأكثر تعبيراً عن آفاق هذا الشاب وأجوائه الزخرفية.
أجواء رحب بها الكثيرون من مصنعي الأثاث، رغم غرابتها وتجاوزها لكل المعايير الزخرفية المتعارفة، إلّا أنها تشكل محطة جديرة بالاهتمام، لما تعكسه من مزاج يجسد ذوق الكثير من الشباب المعاصر وأبناء هذا الجيل، الباحث دائماً عن التغيير - بلغته الخاصة - عن أشكال فريدة ومفردات عصرية تقترب أكثر في مفاهيمها للفن الحديث.
هايون، هذا الفنان السعيد، يسكن اليوم منزلاً فاخراً، في حي سوهو الواقع في قلب العاصمة البريطانية، لندن. يراقب بفخر المركز الذي إستطاع أن يتبوأه في مدة لا تتعدى السنوات الخمس. فهو الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين بعد، تحول الى ضيف شرف، تتنافس على استضافته وتكريمه المعارض الدولية في كل مكان، من اوروبا والعالم، اضافة الى المنشورات والكتب التي تصدر كل يوم لتحيي مواهبه كفنان غير عادي، وتحكي جوانب من مسيرته الابداعية، وتلقي الضوء على شخصيته الفنية.
ومنذ ظهور تصاميمه الأولى، واسمه يتصدر صفحات المجلات المتخصصة والصحف العالمية المختلفة، والتي طغت على عناوينها تعابير الإطراء لأسلوب هايون وزخرفته الأنيقة المدهشة، والتي ذهب في بعضها الى الجسارة والتطرف، مما يثير الدهشة والأعجاب. وأتاح لها غزو المساحات والأماكن وأركان البيوت والشقق الفاخرة، حيث لم يتردد أصحابها في تزيين فضاءاتهم الحميمة باكسسوارات ومبتكرات غريبة غير مألوفة تحمل توقيع هايون.
هايون لا يهاب التغيير، بل يسعى إليه. ولا يتوانى عن كسر المعايير السائدة، بل يعمل من أجل ذلك. فهو يطلق مبتكراته ومشاهده الزخرفية الغريبة في الأماكن متلاعباً بالأشكال والألوان، فالأصفر العادي حين تلامسه مخيلته، يصبح أصفر ساطعاً والأزرق يلبس حلة تميل الى اللون الدموي. وهو لا يظهر مشاهده الداخلية ببساطة ونقاء فقط، بل انه يحرص على ايقاظها من سباتها، ليعيد مواءمتها مع البيئة الزخرفية وفقا لميوله وأهوائه.
هي مرحة حيناً أو غريبة الأطوار حيناً آخر، لكنها في كل الأحيان انيقة ومدهشة. وبصرف النظر عن حبنا أو نفورنا من كرنفال هذه الشخصيات والحيوانات وتلك الأجواء الغرائبية التلقائية والتي تصل في بعض الأحيان الى حد السذاجة. فإن أعمال «هايون «تبقى علامة بارزة في المشهد الزخرفي المعاصر.
أعمال تدغدغ الأحاسيس وتلامس أعمق المشاعر، وهي من أجل ذلك تستقطب إعجاب العديد من المؤسسات المصنعة للأثاث، والتي تجد في خياليتها بلسماً قوي المفعول وناجعاً لعلاج الوهن والضجر اللذين يتسللان غفلة الى عالم الزخرفة ليصيب اجواءها ببعض الروتينية والصياغات المتكررة. ولذا فإنه من الصعب جداً المرور بتلك المبتكرات على اختلاف مواضيعها وأنواعها ومجالاتها، دون ملاحظتها أو التوقف عندها للمزيد من استكشافها وفهم مهماتها وتعبيراتها، تماماً كما يحصل في خط مبتكرات «غاروست وبونتي» أو «مارسيل وندرز» والأخوة «كمبانا» الذين يتمتعون - بدورهم - بأساليب صياغة زخرفية مميزة، تفرض نفسها بقوة و في كل وقت بعيداً عن اتجاهات الموضة.
الغرابة والطرافة وربما اللعب بالأوهام، قد لا تحقق إعجاباً جماعياً حول أعمال هايون. لكنها بالتأكيد تترك بصمة مميزة في الذاكرة الجماعية، بصمة مشبعة بالأحاسيس المتناقضة والأحلام المتضاربة، وقد يكون هذا ما يحتاجه الناس في مجتمع لديه كل شيء.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024