تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ولد عام ٢٠٠٦ وعمره الآن ٣٠٠ سنة

ولد عام ٢٠٠٦ وعمره الآن ٣٠٠ سنة! بالطبع هذا ليس لغزاً ولكنها قصة نادرة جديرة بأن تروى. على وقع هزيز الرياح وزخات المطر..أو تساقط الثلوج في الشتاءات الباردة، يعيش سكان هذا الشاليه في منتجع «تيرول» النمسوي  نهارات سعيدة وليالي حالمة، تستمد عبقها من سيرة هذا المكان الفريدة.
هو في الأساس بناء خاص لمزرعة، يعيش في طابقه العلوي أصحابه، وفي الأوسط العمال، أما الأرضي فمخصص لمخازن العلف وأدوات الفلاحة وتربية الماشية.
وهكذا لا يضطر أحد للخروج في الفصول الباردة. مظهره الخارجي الجميل، يحمل في تفاصيله تاريخاً طويلاً يمتد ٣٠٠ عام. وهذا النوع من البناء كان سائداً قبل ٦٠٠ عام في قرية كيرشبرغ الجبلية العالية، ثم أنتشر في منطقة فيلزيرهوف النمسوية كلها، وقد فرضته اجواء تلك المنطقة الباردة واسلوب الحياة الريفية فيها.
ولأن القانون النمسوي في التيرول يمنع على غير المزارعين تملك هذا النوع من البناء، حرصاً على الحد من تدفق الأثرياء لشراء هذه المزارع من أصحابها وتحويلها الى شاليهات، مما ينعكس تغييراً في جوهر المنطقة وطابعها الزراعي. لذلك كان الأمر مخلتفاً مع هذا البناء اذ عمد مالك الأرض الجديد، عام ٢٠٠٦، إلى إستحضار حرفيين فككوا المبنى كله قطعة قطعة جرى ترقيمها بعد تنظيفها وإصلاحها بعناية فائقة، ثم أعادوا جمعه على أرض غير زراعية و في مكان لا يبعد أكثر من ٥٠٠ متر عن موقعه الأصلي.

تغييرات طفيفة أجريت على الداخل لكسب مساحات جديدة وإعطاء مساحات أخرى وظائف جديدة. وإضفاء طابع حديث على الأقسام الداخلية.قسم من الطابق تحت الأرضي خصص مستودعاً، وقسم آخر صالة للرياضة والعناية بالجسم، وتُركت مساحة كبيرة موقعاً لسيارات المالك الجديدة. وهكذا يمكن القول إن الولادة القيصرية لهذا المنزل تمخضت عن مولود «طبيعي» جداً. وطبيعي هنا من الطبيعة، حيث يشكل الخشب، بكل نبله، المادة الأساسية فيه. اعتمد مهندس الديكور في تصوره للتنسيق الداخلي اسلوب البساطة والنقاء في الخطوط للتوصل الى اناقة تتناسب مع الطابع التاريخي للمكان واجوائه التراثية.
فنجد في صالة الجلوس الفسيحة ركناً خاصاً بالمدفأة التي تحيط بها الأخشاب في تنسيق يجعل منها جزءا مكملاً للمكان وركناً آخر للاستراحة والقراءة حيث تحول الجدار الخشبي الى مكتبة منزلية تزدان بالكتب والمؤلفات.
أما الأثاث الذي تنوعت مواده بين الجلد والأقمشة الصوفية السميكة، أضافت اليها جلود الأبقار والماعز والأغنام لمسات دافئة، فربط أجواء هذا المكان بوظائفه الأولى وحافظ على طابعه الريفي المميز.
أما صالة الطعام التقليدية فقد إحتلتها طاولة كبيرة من الخشب، تتسع لاستقبال ١٦ شخصاً، يتدلى فوقها عنصر للأضاءة تزينه الشموع ويشكل استعادة رشيقة للأجواء التي كان يعيشها أصحاب المزرعة قبل ٣٠٠ عاما. أجواء تتميز بصياغات بارعة للخشب، فتوفر أجواء دافئة لا تعوزها الزينة المفرطة. ولم يعمد مهندس الديكور الى شحن فضاءات الشالية بالأثاث الخشبي المركب والأقمشة المفرطة في ألوانها كما جرت العادة في الشاليهات المجاورة، بل أراد تجنب كل ذلك مركزا في تنسيقه على الطابع الهندسي والزخرفي للمنزل.في محاولة للحفاظ على روح المكان كما كان قبل ثلاثة قرون مع الأخذ في الأعتبار ضرورات الحياة العصرية والرفاهية المطلوبة.
فجهز المنزل بكل الوسائل الحديثة والتقنيات المتقدمة، من فيديو المراقبة ونظام الأمن والانذار المبكر في حالة الحريق ذلك إضافة الى شاشات التلفزيون والأنترنت التي تتوزعها مساحات المكان وصولاً بها الى صالة الحمام، وكل ذلك بشكل غير ظاهر مموه في الأسقف والجدران التي احتفظت بمظهرها الأصلي.
واعتمد المهندس نظاماً للتدفئة تمر تمديداته تحت بلاط الأرضيات، وكذلك أعطى أهتماماً خاصاً للأضاءة وعناصرها وأساليب التحكم فيها.
ومن أجل تكريس الصورة الأصلية لجأ الى استخدام المنتجات المحلية مثل جلود الأغنام والمنسوجات اليدوية واقمشة الصوف الطبيعي، من اجل توفير اجواء دافئة، وناعمة وبالغة الصفاء.
وركز في تصميمه على ابراز العوارض الخشبية في فضاءات المكان تأكيدا لدورها الزخرفي، كما تم تلبيس مساحات وجدران الباطون والحجارة التي إستدعتها ضرورات الديكور الواحاً من الخشب الطبيعي، فأضاف اليها المزيد من الهيمنة الزخرفية. 

وفي الحمامات إستخدم الرخام بطريقة ناعمة الى جانب خيارات جميلة من الأدوات الصحية وتجهيزاتها الموفقة. وفي المطبخ لم يتردد في إستخدام سطوح خزائن سميكة من الفولاذ والأينوكس، وقد عمل على تجهيزه تجهيزا حديثاً كاملا من دون أن يتجاهل ضرورة وجود شاشات الفيديو لمراقبة كل اقسام الشاليه عند الضرورة.
لقد إستطاع مهندس الديكور كيفين رايلي Kevin Reilly من خلال توزيعه للعناصر الزخرفية بأناقة مميزة وأصالة طبيعية، أن يلغي هيمنة عنصر على آخر، فبدا الداخل في حالة إنسجام رائع وتوازن دقيق.
وعرف بمهنية عالية ومهارة ملحوظة أن يمنح للبعد الجمالي مداه وأن يحفظ للبعد الوظيفي كفايته وأداءه.

ومن اللافت أيضاً في هذا المنزل احتفاظه بالمساحات الرحبة بين أركانه وأقسامه، كذلك فإن التنقل بين طبقاته يتم عبر سلالم خشبية عريضة ومريحة قلما نجد مثيلاً لها في العمارة المعاصرة.
واحتفظ هذا المنزل بتراس أمامي في الطابقين الأول والثاني يتيحان لسكانه التمتع بالمناظر الخلابة، وتناول الوجبات عندما يوفر طقس تلك المنطقة فرصة لذلك.ولا يمكن عند التحدث عن هذا المنزل اختصار التفاصيل الكثيرة التي تزدان بها أرجاؤه، بالأضافة الى الأكسسوارات التي أضافت الى تاريخه وماضيه حكايا جديدة لأجيال قادمة.


المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079