قصر كريم رحال في مراكش
أهلاً بكم في الواحة الزرقاء الصافية، المنبسَط الزاهي المشعّ فرحاً. إنه القصر الأزرق للسيد كريم رحال في مراكش، أو القصر الأسطورة. قلما يجود خيال الفنانين والمهندسين بمثله، ونادراً ما تحتضن الطبيعة تحفة تضاهيه روعة. بل قُل إنه هو من يحتضن الطبيعة، لضخامة هيكله واتساع مساحته التي ملأت المكان وفاضت.
يوزّع لونه في الأرجاء حتى لكأن السماء أخذت من زرقته وليس العكس. هو مدينة في قصر، وأسطورة مقيمة بين جدران، وطبيعة بأمّها وأبيها منقولة إلى مساحة يطيب فيها العيش. لا حدود للجمال هنا ولا حصر له. إنه في كل مكان، في الأرض والحجر والسقف والشجرة والماء والأعمدة. في الحقب الزمنية المتداخلة، الماضي المستريح في القناطر والأبواب والغرف التراثية والثريات، والحداثة الحاضرة في المسبح الفخم. العينان لا تكفيان للتأمل، ولا المخيلة للإستيعاب، لكثرة الروائع المنثورة هنا وهناك. فهل نعاين ضخامة الهندسة الخارجية أم فخامة الديكور الداخلي أم روعة الطبيعة المتآلفة مع البناء والمنفلتة على جنباته؟
من بعيد ينبسط أمام الرائي القصر الازرق، تحرسه السماء وتغتسل قدماه بمسبح كبير يفيض زرقة. كأنه لوحة مرسومة بين أزرقين. ثلاث قناطر تشكل الواجهة الضخمة التي منها ندلف الى الداخل، بعد الاستمتاع بخضرة الخارج وظلال العرائش والاشجار الوارفة. من الباب الخشب الكبير الموصول بالسقف نطلّ على مساحة جمالية لفحها التراث المغربي بعطره فجاءت أنيقة على صورته، وملوّنة على مثاله. ستائر منسدلة على نوافذ اتشح زجاجها برسوم زرقاء وخضراء وصفراء، وثريات نحاسية تحاكي التراث. سقف بني يماثل الباب وتتخلله نقوش هندسية متفننة. ولعلّ الجلسة الأروع والأحب إلى القلب هي في الصالون التراثي الصرف، ذي المقاعد الوثيرة والمتعددة. عمودان ينتصبان عند مدخله ويحملان ديكوراً أبيض من الجصّ توزع على السقف كلّه. أما الجدران فحكاية خاصة بالفنّ، منها ما هو مطلي باللون الأخضر الزاهي، ومنها ما هو مقابل للحديقة، بالزجاج الملوّن من العمل اليدوي طغى عليه الأزرق والأخضر والأحمر، وحدّدت اللوحات الزجاجية الفنية درف من الزجاج الخشب البني الداكن من اللون نفسه لطاولة الوسط من الخشب المستدير تناسب الأثاث.
وتدلّت أمامه الستائر الصفراء الشفافة التي رُبطت من الوسط ليظهر جمال الزجاج المزخرف بوضوح. وفوق الطاولة في الوسط ، تدلّت ثريا من النحاس المعتّق والمزخرف إنبعثت الإنارة من داخلها. وهذا النوع من الثريات الشرقية الطراز والضاربة في القدم، تكرّر في معظم الجلسات، وقد تدلّت من وسط الجصّ المزخرف الذي إتخذ في كلّ جلسة شكلاً مختلفاً عن الجلسة الأخرى.
الزجاج الملوّن والجصّ والثريات النحاسية التراثية شكلّت جزءاً من هندسة غرف النوم التي طليت جدرانها بألوان فرحة. فإحدى الغرف مثلاً طليت جدرانها باللوّن البرتقالي. ولكسر رتابة اللون الموحّد للجدران، إخترقت وسطها حجارة مستطيلة من الفسيفساء الملّونة. أما السرير، فأتى من الخشب ذي الطراز الكلاسيكي، لكنه بسيط التصميم غابت عنه الزخرفة. وتناسق غطاء السرير مع الستائر باللون والنقشة ذاتها.
وإلى جانب الحديقة رُكنت عربة يجرّها حصان، تذكّر بالقصص الملكية القديمة، وقد تلوّن داخلها بالأزرق وتوسّط سقفها مصباح نحاسي. ولا عجب أن توجد هذه العربة في قصر ذي مساحات مترامية حيث يمكن استخدامها لنزهة في ممرّات خصصت لها، وسط خضرة زنّرت المكان كلّه.
ولا تنتهي هنا حدود القصر الأزرق، إذ يطالعنا في الجانب الآخر منه بيت صغير مقبب بالأحمر القرميدي وقد شكلّ إمتداداً مصغراً للقصر الكبير.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024