ملتقى الحضارات
نمسوية الأصل، تنقّلت بين باكستان والهند بحثاً عن الفنّ المعماري المعاصر والتعمّق في تقنية الفنون الجميلية التراثية لهذين البلدين، لتستقر أخيراً في تونس وتحديداً في ضواحي البلاد الشمالية في مارسا. فلا عجب إذاً أن يكون منزل السيدة كريستين بوروك في تونس ملتقى للحضارات وللفنون الهندسية والمعمارية للبلدان التي تنقّلت بينها وغيرها طبعاً من البلدان التي زارتها.
لدى كريستين بوروك شغف بالفنون المعمارية وبالتعمّق في خصائص الهندسة والتراث في كلّ بلد. تابعت أدقّ التفاصيل الهندسية لتصميم منزلها، معطية كلّ ركن خصائصه وميزته الهندسية. فالناظر الى كلّ جلسة بذاتها، يخالها منفصلة عن بقية أجزاء المنزل. وحتى الخطوط الهندسية اختلفت بين جلسة وأخرى، أبواب مقبّبة وجلسات ندخلها تحت القناطر وجلسات أخرى إتسمت بخطوط هندسية مستطيلة.
الصالونات التي لا تفصل بينها حواجز يقدّم كلّ منها طرازاً هندسياً مختلفاً عن الآخر. فأحد الصالونات الذي ندخله من غرفة الإستقبال مباشرة تحت الباب المقبّب عصري بإمتياز.
فهو عبارة عن زاوية متصلّة الأجزاء باللون البيج. أضفت عليه الأرائك والسجاد الحريري باللون البوردو بهجة. وهذا الركن مخصص لجهاز التلفزيون العصري التصميم أيضاً.
درجتان مستطيلتان من الحجر الرخام الأبيض والرمادي الذي غطّى أرض الصالونات كلّها، تقودان إلى غرفة الطعام الفرنسية التصميم. طاولة مستطيلة بسيطة التصميم من خشب السنديان تذكّر بالريف الفرنسي إرتفعت حولها مقاعد من الخشب مبتكرة التصميم من الخشب المنحوت باللون الأبيض بشكل فراشة من تصميم الفنان جاكوبسون في نيويورك، تعود إلى العام ١٩٥٥.
ولتكتمل اللوحة الفنية المتعددة المنشأ، وضعت المالكة خزانة في غرفة الطعام أتت بها من النمسا مسقط رأسها وتعود الى العام ١٩٣٠.
قابلتها خزانة بيضاء متوسطة الطول تتماشى مع المقاعد حول الطاولة الباكستانية الصنع.
وإرتفعت فوقها لوحة من الموزاييك تجسّد قرطاجة رسماً وتصنيعاً. وفي الصالون وغرفة الطعام المتقابلين تدلّت ثريتان في كلّ جلسة من التصميم نفسه، وهي من الكريستال الفاخر بشكل مصابيح.
غرفة الطعام تنفتح على ركن مخصص للنراجيل، بحيث تحوّلت الشرفة إلى مكان مغلق بفضل الزجاج الذي تقاطع معه الخشب الأبيض بشكل شبه دائري، والزجاج العلوي عبارة عن مربعات باللون الأزرق تماشياً مع الألوان الخارجية للجدران والنوافذ، لذلك وضعت المقاعد من الجلد باللون الازرق لتكتمل اللوحة المنسقة الألوان.
ومن الباب الرئيسي الذي يقود الى هاتين الجلستين يمكن الدخول لجهة اليمين الى غرفة المكتبة. هذه الجلسة مزيج من العصرية والعراقة الهندسية معاً.
والفنّ المعماري التونسي حاضرٌ من خلال اللون الأزرق للنافذتين الكبيرتين.
أما مقاعد هذه الجلسة فتونسية الصنع من الخشب المزخرف. وإرتدى السقف حلّة من خشب السنديان، مما أعطى جواً دافئاً في غرفة المكتبة التي يحلو فيها الإسترخاء للمطالعة في هذه المجموعة من الكتب التي خصّص لك منها مربّع، إذ إنّ المكتبة عبارة عن مربّعات وضعت جنباً إلى جنب.
والكتب التي لم تتّسع لها المكتبة وضعت في كونسول من الخشب باكستاني الصنع. المزيج الهندسي برز جلياً في هذه الغرفة من خلال المدخلين، إذ يمكن الوصول اليها من باب الصالونات الرئيسي الكبير الحجم ذي الإطار الأبيض العصري.
أما الباب الثاني الذي يقود إلى المطبخ ويصل أيضاً الى قاعة الاستقبال، فإطاره عريض من الخشب المزخرف.
وهذا الباب يقابله أيضاً الفنّ الهندسي التونسي في قاعة الاستقبال التي يطلّ عليها، فبعد الباب الرئيسي من الخشب المطعّم بالمسامير تظهر فجوة هي عبارة عن قنطرة من الموزاييك في داخلها مزهرية من النحاس، زيّنتها الورود الصفر.
غرف النوم في الطبقة العلوية تعكس مزيجاً من العصرية. فالسرير بسيط التصميم، وإلى جانب الستائر زيّنت زوايا كلّ ركن مقاعد كلاسيكية طغى على معظمها البيج والأزرق تماشياً مع خشب النوافذ والأبواب لكلّ جلسة.
اللون الأزرق للنوافذ والابواب والذي هو لون الأمل والحياة بالنسبة إلى معظم بيوت تونس، قابله اللون الأزرق في الحديقة حيث حوض السباحة يتميّز بمستويات وأشكال هندسية عدة متداخلة، وحيث الشتول الخضراء التي حدّدت إطار المنزل الخارجي لتزينه الى جانب الحديد المزخرف للأبواب الخارجية التي تقفل على مكنونات هذا المنزل الفريدة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024