تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

قصر آل تركي في سيدي بوسعيد

الناظر إلى هذا القصر يدرك عراقته والفنّ المعماري لبلاده،  فكيف بالمدقق في تاريخه؟  قصر آل تركي في منطقة سيدي بوسعيد التونسية عمره ثلاث قرون، يتألق ويتجدّد كلّما مرّت عليه السنين ليحتضن في كنفه أفراد العائلة الذين يتعاقبون عليه من الجدّ إلى الإبن فالأحفاد.

في أفياء الشجر الأخضر يختبىء هذا القصر، مخبّئاً سرّ جماله وعراقته غير آبه بالسنين التي مرّت عليه. قصر آل تركي التونسي لا يفصح عن مكنوناته من النظرة الأولى. فالبناء الخارجي بسيط التصميم، جدرانه مطلية باللون البيج. إلا أنّ القناطر التي تطالع الزائر بعد إجتياز بضع درجات من الجهة الأمامية للمنزل تنبىء بجولة حافلة بالفن والعراقة في أرجائه الفسيحة. البابان الأساسيان للإستقبال توحدّا في الشكل، الباب الخارجي الضخم من الخشب المزخرف بمسامير من النحاس، يقابله بعد اجتياز الممر المزنّر بالشتول الخضر، باب المدخل الأساسي، الذي ندخله بعد المرور تحت القناطر، من الهندسة ذاتها أي الخشب المطعّم بمسامير من النحاس.

القناطر الخارجية تقود الى البهو الداخلي الذي غُطّي سقفه الحديد المربّع بلون أخضر يسمح بإدخال النور. وحدّدت جوانب هذا البهو القناطر من كلّ الاتجاهات، وقد ارتفعت على أعمدة من الرخام باللون البيج تحت القناطر البيض لإعطائها قيمة وميزة خاصة، إضافة الى النقوش التي حفرت في أعلاها وأسفلها.
ومن تحت القناطر يمكن الدخول الى القصر من الأبواب الكثيرة التي توّزعت في كلّ الاتجاهات. وتحت القناطر، السجاد حاضر لاستقبال الزوار في جوّ من الرفاهية، إنما من البلاط الموزاييك الذي افترش الأرض كما الجدران ورسم لوحات غنية بالألوان والأشكال المتعددة. فأمام أبواب القصر العديدة توزّعت الجلسات بشكل ديوان شرقي.
واللافت في هذه الجلسات طاولة من الرخام بلونها الزهري مرّت عليها ثلاثمئة سنة، كمعظم القطع الأثرية الموجودة في أرجاء هذا القصر، خصوصاً اللوحات الزيتية وإطارت المرايا المذهّبة التي تحافظ على رونقها منذ ما يقارب المئتي سنة، وبعضها من طراز لويس السادس عشر. ولهذه اللوحات الزيتية ميزة خاصة إذ إنّها مرسومة بأنامل الأخوين تركي، مالكي هذا القصر.

كما أن بعضاً منها رسمها الفنان التونسي عمر فرحات. وتزيّن ركن في الصالون بصندوق كان يستخدم قديماً لنقل جهاز العروس من الخشب المطعّم والمرسوم يدوياً، وعمره ثلاثمئة وخمسون عاماً. ولا شكّ أنّ القطع الأثرية العريقة التي تزيّنت بها الصالونات زادت المكان عراقة نظراً إلى أنّ الأثاث بسيط، منها من القماش ومنها ما تطعّم بالخشب البسيط أو المزخرف.

وبما أنّ الموزاييك هو رمز الهندسة التونسية، فقد تكرّر في كلّ الجلسات تقريباً، وإحتلّ الجهة السفلية لجدران الصالونات، إذ إنّ السقف مقبّب ومطلي باللون الأبيض. وعلٌّقت على هذه الجدران المرايا واللوحات الزيتية التراثية. وفي ركن من قاعات الاستقبال إحتلت آلة البيانو بحجمها الكبير ركناً خاصاً بها، فالمالكون يهوون الفنّ على أنواعه، من الرسم إلى الموسيقى. لوحة الفخامة اكتملت مع تناثر قطع الكريستال الفاخر باللونين الأبيض والأزرق، إلى جانب السجاد من الطرازين الهولندي والعجمي.

التصاميم الفريدة لها حصة كبيرة في غرفة النوم، فالسرير يعود الى العام 1920 من الطراز التونسي، ومعروف ببيت الحجام، قاعدته من الحجر، وخلفه الموزاييك وفوقه تدلى من السقف إطار من الخشب المزخرف والمطعّم باللون الذهبي. وافترش الأرض الحجر الموزاييك باللونين البني والبيج، وقد زيّن الحجر الموزاييك بلونيه الأصفر والأخضر حمام الضيوف ذا الجرنين من الرخام البيج.

وخلف المنزل حوض سباحة أعطى القصر نفحة رومنسية. موقعه في الوسط وحوله البناء الابيض للجهة الخلفية للقصر، بما يضمّه من قناطر وأعمدة رومانية، ومن الجهة الثانية الشجر الأخضر الكبير يرخي بظلاله على المياه الزرقاء في حوض السباحة، منعشاً الجلسات الصيفية حوله.

لا يفصح هذا القصر عن مكنوناته الفريدة بسهولة، فالجولة في أرجائه تستغرق وقتاً وتستدعي التأمل والتدقيق في التواريخ والجذور التي يتمسّك بها المالكون تخليداً لذكرى العائلة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079