عزّ الحجر!
يتحدث منزل جول ونيكول اسكندر عن التاريخ. عراقة وإرث، اجتمعا في منزل واحد وجسّدا أجمل اللوحات القديمة في قالب حديث. فالمنزل بني حديثاً رغم أن كثيرين يعتقدون أنه مرمم وذلك لما يتضمن من أعمال ومواد تمّ استقدامها من منازل قديمة، فبدا هذا المنزل وكأنه تاريخي. حب نيكول وجول للعصر القديم دفعهما للسكن في منزل تطبعه الهندسة القديمة. فمن الخارج يعكس المنزل روح منازل الريفيين كما في الداخل. الحديقة في الخارج تزاوجت مع برغولا منفذة من دالية ملتوية وشبه دائرية وعلى رأسها وضع «ديك »، لا ينقصه إلا الصياح! وتعكس أجران حجرية مليئة بالزهور ومقعد خشبي تموج من حوله الزهور الطابع الريفي بامتياز.
لم يتم إدخال مواد القرميد الأحمر إلى هذا المنزل وذلك للإستعانة بالزجاج فتذهب بنا الذكريات إلى منازل بيروت القديمة التي كانت تفاخر باستعمال الزجاج مع الحديد المطروق. ومن ناحية أخرى، استبعد القرميد لثقل وزنه.
وعبر ممرات منفذة وكأنها فسيفساء تجمع الحجر مع العشب الناعم بشكل مخطط وكل خط ينتهي ببداية آخر، فبدت أمامنا أشكال هندسية فريدة زرعها المهندس اسكندر حجراً تلو الآخ ر ونفذها يدوياً، وهي شبيهة بحدائق قصور فلورنسا التاريخية.
ومن إيطاليا حمل المالك إلى حديقته شجرة أرز بارتفاع ٨ أمتار. واليوم وبعد مرور نحو خمس سنوات على زراعتها بلغت العشرة أمتار. وكانت هذه الشجرة هدية ميلاد لإبنه في عيده الثاني والثلاثين. وقبل أن ندخل المنزل ترافقنا أشجار اللوز والمشمش والتوت وكأن الطبيعة ترحب بنا بكرم وحسن ضيافة. وينعش أريج العطر أنفاسنا لنلج منزل مضيفينا جول ونيكول.
من الداخل، تبرز أمامنا ثلاثة عقود مصلّبة على محور واحد، وفي عمق المنزل نرى مرايا ومدفأة يحوطها الحجر الناري تنتظر دخولنا لتدفئنا بنارها، وحولها أوان نحاسية خاصة بتشغيلها. ويضيف إلى نار المدفأة نوراً مصباح فرنسي ذو قاعدة خشبية مميز. على يمين الحائط ويساره هنالك قنطرة مفتوحة تصلنا بغرفة الطعام. وداخل الصالون المزدوج الارتفاع وضع المالكان صوفا بسيطة بلوني الرمادي والبوردو وأخرى منجدة بالقماش. وهذا الركن يعتبره المالكان عصرياً بامتياز لما يوفر من راحة دائمة. أما في الصالون الآخر فقد وضع طاقم من طراز قديم ومن القماش الخالص.
وأمام الواجهة الكبيرة التي تتواصل معها الصالونات وتشرق نحو الخارج وضعت طاولة للعب وازدانت بشرشف ارتيزانا لبناني. وتحولت في غرفة الطعام سجادة من «الغوبلان » إلى لوحة خاصة... وامتدت قطع السجاد في الأرض من العجمي المنوع والمميز بعدما اختار المالكان بلاطاً عادياً. ويقول المالك: «أحب السجاد كثيراً لذلك اخترت البلاط العادي والبسيط وغطيته بالسجاد من كل نوع وبأعداد كثيرة ». ومن غرفة الطعام يدلف الساكن إلى المطبخ عبر قناطر مرتفعة. كما اعتمد المهندس مساحة بين كل عقد وآخر وذلك ليستنى لكل زائر الاستمتاع برؤية كل عقد على حدة. وارتفعت الجدران في المطبخ كسائر أركان المنزل ورغبت المالكة في القسم العلوي لتستفيد من خزائن إضافية تعيد التنظيم إلى «مونة » المنزل الشتوية.
وقد لفّ المطبخ جسر ليفصل في جزءيه من أعلى وأسفل ولتربح المالك مساحات إضافية. وقد أنارت المطبخ كما غرفة الطعام ثريا قديمة بطراز لبناني. أما الطاولة فاختار مالكوها قاعدتها من قاعدة بمادة ال «فونت » تعود لآلة حياكة ميكانيكية وارتكزت فوقها لوحة رخامية لتتحول إلى طاولة مميزة. وقد ارتسم البلاط من أسفلها بصورة مكررة عنها لتبدو أمامنا سجادة حقيقية.
وكما نفذت الجدران الداخلية في الصالونات بالحجر والعقد وصلت هذه الأعمال إلى غرف النوم. فعند الغرفة الرئيسية يرتبط الحجر بواجهة كبيرة خارجية. وتمتاز
محتوياتها بطراز عصري رغم أن مالكيها حملاها معهما من منزل قديم لهما. أما لعبة الارتفاع والانخفاض في هذه الغرفة، فدفعت المالكين إلى وضع الستائر بشكل مرتفع، وتدلت ثريا طويلة لتنير القسمين معاً مما يبعث جواً من التميز. وتبرز السلالم الحجرية مع الحديد المطروق بشكل شبه دائري وكأنها توحي بدء «مشوار » جميل معها. ويقول المالك: «اختيارنا لتكون السلالم بسيطة أتى بعد دراسة مستبقة لأن استدارة الدرج معقدة لذلك تمّت هندسته بشكل بسيط ». وفي هذا المكان الوحيد عند الدرج لم يتم بناء حائط من الباطون عند الداخل بل تركت خلفيته من الحجارة الظاهرة لتظهر أمامنا ال «ورقة » بلون كحلي.
وعند أسفل السلالم وضعت مرآة منسوخة عن عمل أوروبي قديم إضافة إلى أكسسوارات يونانية ورومانية وصور وشمعدان خشبي بطراز أوروبي وعدد من الأجران، بعضها رسم عليها بالزهور بنسق فرنسي. وعند السلالم علقت صور لأفراد عائلة اسكندر لتقبع عن يمينهم أحذية صغيرة لأحفاد المالكين أثناء طفولتهم،
وعن يسار الجدار وضعت صور لعائلة الجدة لودي حيمري اسكندر... ومع انتهاء السلالم وضعت ماكنة حياكة تعود لوالدة المالكة...
رحلة لا يمكننا نسيانها إلى هذا المنزل الذي دخلنا من خلاله إلى التاريخ إنها أعمال لا يمكن أن نصفها بالجديدة رغم حداثتها لكن المهندس اسكندر وضعها تحت ضوء
جديد ففاضت أعماله بجمال فتان جمع القديم والحديث في توأمة مميزة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024