صديقة أمينة للإنسان والمكان
البعض يمنحها بعداً يتعدى دورها كعنصر من عناصر الديكور. بل ويعتبرها ضرورة نفسية وإجتماعية، مستعيناً ببعض نظريات علم النفس وعلم الاجتماع. ونحن هنا لن نتوقف عند هذا البعدأو غيره من أبعادها التاريخية، ما يهمنا هو انها تبقى في كل الأحوال سيدة الأبعاد في كل الأمكنة.
ضرورية، ليس فقط لأنها تعكس صورتنا و تؤكد إستمرار هناءتنا وأناقة هندامنا، ولكن أيضاً لأنها تضفي على المكان جواً غامضاً، فيه الكثير من السحر والرمانسية والحلم، تمنح شعوراً بالاتساع، كأنها أفق مبتكر تتناسل فيه الأشياء الى ما لا نهاية.
المرايا هي الصديقة الأمينة للانسان. ومن أجل ذلك يبذل الجهد لاختيار أشكالها، وأطرها وألوانها وأيضاً لاختيار مواقعها.
مواقعها؟ نعم، لأن حضورها يكاد يكون ضرورياً في كل مساحة من مساحات المنزل. في المداخل وفي الصالونات، كما في غرف النوم وصالات الحمام. وهذا لا يعني غيابها عن الممرات أو غرف الجلوس، وحتى بعض الأحيان في المطابخ.
هي في المساحات الكبيرة تعكس فخامة وأبهة، وتلتقط الأضواء وتعيد نشرها في الفضاءات، لتضفي على المكان أجواء احتفالية. وهي في المساحات الصغيرة تشارك بحميمة لحظات الوحدة والبوح الصامت.
ولعل ما يؤكد تقدير الانسان للمرايا وتعلقه بها، بحثه الدائم لاختيار اجمل الأطر لها. فمن أطر بسيطة الى أطر أكثر تعقيداً، مروحة واسعة من الخيارات تتيح لكل فرد أن ينعم بها، لأنه في الحقيقة يختار اطاراً لصورته وصورة من يحب. فنجد اليوم أنواعاً مدهشة بألوان واشكال طريفة حيناً وبالغة الجدية والرصانة حيناً آخر.
تعكس كل ذوق وتلبي كل أسلوب أو طراز زخرفي، لتتناغم مع تنوعها، فمن الطراز الريفي الى الطراز المديني، ومن الحديث الى الكلاسيكي، ومن البسيط الى الباروكي.
ولم تنجو أشكال المرايا نفسها من التنوع، فهناك المربع والمستطيل والمستدير منها.
على أن المسألة لم تقف عند هذا الحد، فقد سمحت تقنيات القص الحديثة (الليزر) بإستنباط أشكال جديدة لم تكن تخطر على الذهن. وهكذا أصبحت المرايا الى جانب الألق الذي تبثه، توفر الكثير من الحلول الهندسية والزخرفية في فضاءات الأمكنة، على إختلاف مساحاتها وأحجامها.
وأيضاً ساعدت التقنيات المبتكرة في عملية تثبيت المرايا، وعلى الأخص الحديثة منها، فأصبح بالامكان لصقها على الجدران أو على الأسقف أو على الأبواب أو في الممرات الضيقة والزوايا المعقدة، من دون الحاجة الى تشويه المساحات بإستخدام الثقوب أو غيرها من الوسائل التي كانت متبعة.
وقد أتاحت هذه العملية، زيادة انتشار المرايا، ودخولها مساحات لم تعرفها في السابق. فهي تتصدر الجدران، هنا فوق مدفأة وهناك فوق كونسول، وفي بعض الأحيان تغطي الجدار كله.
فهي تستند في مقاساتها و اشكالها وانواع أطرها وموادها الى حجم المكان وطابع أثاثه، تتماهى معه او تتباين لتحقيق جو من الكونتراست مع الفضاء الذي توضع فيه.
ولأن المرايا تتمتع بهذه الحساسية العالية، فإن اختيار أماكنها في المساحات يتطلب مهارة ودقة بالغتين.
حيث ينبغي التنبه لخاصيتها في الانعكاس. وفي حين أن وضعها في مقابل نافذة - مثلاً - سيمنح امكان الحصول على مزيد من الاضاءة الطبيعية من انعكاسها على المرآة واعادة بثها في مساحات وزوايا أخرى.
فإن وضعها في مواجهة مصادر اضاءة قوية ونفاذة قد يسبب الضيق لشاغلي المكان يعيق حركتهم، وكذلك وضعها في مواجهة عدد من مصادر الضوء، ربما ينتج عنه تعدد الانعكاسات وتداخلها بشكل فوضوي غير مرغوب.
كذلك فإن إستخدام المرايا في بعض المواقع، من دون أخذ عوامل الأمان بالإعتبار، قد يسبب بعض الحوادث الناتجة عن خداع البصر.
وبالاضافة الى الدور الذي تلعبه المرايا - بأحجامها المناسبة - في إعطاء الشعور بإتساع المساحات، فإن للون المرايا دورا مهما في وضوح الرؤية، فالمرايا الفضية اللون وهي الأكثر استعمالا من قبل المهندسين والمصممين، تعكس الضوء والألوان بأمانة وتساهم بشكل مدهش في تسليط النور على الأماكن المظلمة.
اما المرايا الملونة بايقاعات من الباستيل المائل الى الأزرق، الأخضر، الزهري، البرونزي، او المرجاني، فتساهم في تعزيز اجواء زخرفية محددة وتخفف من حدة الضوء فيها.
و المرايا المعتقة والمؤكسدة، تتميز بنغمات لونية بارعة التأثير تساهم في إيجاد اجواء مخملية دافئة، خفيفة الضوء تجعل من بعض الانعكاسات والتفاصيل غير واضحة.
وتختلف سماكات المرايا باختلاف المساحات التي تشغلها، ولكن كلما ازدادت سماكة المرآة ازداد انعكاسها ووضوح الرؤية فيها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024