شقة المهندسة سولين دو لا فوشارديير
خريجة مدرستي Camberwell School of Art وWimbledon School of Art. في لندن بدأت عملها كمصممة لديكور المسرح، عمل يعتمد على ابتكار أجواء وأشكال مرئية من ثلاثة جوانب فقط، لم تكن راضية عنه تماماً. وجاءت فرصة لقائها بصديقتين اثناء دورة تدريب قامت بها في مدرسة لتذهيب التحف والمفروشات، فأسست معهما في اواسط التسعينات شركة للتصميم الزخرفي والابتكار حملت اسم (Ochre).
انها سولين دو لا فوشارديير Solènne De La Fouchardière التي تمضي وقتها متنقلة ما بين باريس ولندن، حيث تتابع ادارة تلك الشركة التي تحقق نجاحاً وازدهاراً باهراً، ساهم في انتشار توزيع مبتكراتها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
اختارت سولين ان تعيش في شقة تقع في ضاحية شورديتشي شرق مدينة لندن. وقد شهدت هذه الضاحية تطوراً تدريجياً كبيراً في العقد الأخير. ازدهرت فيها المطاعم والملاهي، وصالات المعارض والمحترفات الفنية ومكاتب «الديزاين».
معظم أبنية هذه الضاحية عبارة عن مصانع مهجورة، جذبت بطابعها المعماري القديم وأسعارها المنخفضة، الكثير من الفنانين ومصممي الديزاين والزخرفة الداخلية. تملكوا وإستقروا فيها، وحولوا مساحات مستودعاتها وابنيتها الى تحف زخرفية مدهشة تفيض بروائع التصميم والابداع.
ولهذا السبب فإننا نجد في الأحياء الجديدة لهذه المنطقة أكبر نسبة من صالات المعارض في اوروبا.
شقة سولين تقع في بناء كان في الأساس مصنعاً للأقمشة، وقد تم تحويله منذ التسعينات الى خليط من الوحدات التي تضم مكاتب الديزاين والشقق السكنية. التعديلات والتحولات التي أجريت على المكان لم تمس الطابع الصناعي للبناء.
تتميز الشقة بفضاء داخلي بسيط الشكل وواسع، تزين جدرانه سلسلة من النوافذ والأبواب الزجاجية الكبيرة، المحاطة بأطر من المعدن، وتعتبر هذه النوافذ والأبواب، ينبوعاً يتدفق الضوء منه ليغرق المكان بنوره الباهر... هذا المكان يذكر سولين بأجواء محترفات الفنانين في باريس مع فارق بسيط، هو أن الطقس في لندن اكثر ضبابية.
قبل الاستقرار في الشقة، كان لا بد من إعادة تأهيلها واستعادة بعض المساحات الضائعة، مما استلزم هدم العديد من الجدران والحواجز الداخلية.. خصوصاً الحواجز الصادمة للنظر، بهدف الاستفادة وإلى حد أقصى مما تقدمه النوافذ الزجاجية من مشاهد جميلة مطلة على المدينة من جهات ثلاث.
الحاجز الوحيد الذي تمت المحافظة عليه هو حاجز غرفة النوم، من أجل حميمية لا بد منها.
اختارت سولين لأعمال الزخرفة والترميم بعض المواد مثل الجص والحديد الصلب، الزجاج، الخشب والاسمنت.
مواد قد تبدو في مجموعها باردة التأثير، لكن سولين عمدت الى مزاوجتها، بتشكيلات طريفة من المفروشات القديمة والحديثة، بعضها اختير من مبتكرات شركتها Ochre، و آخر جمعته من أسواق البرغوت في باريس وحوانيت «الأنتيكة».
لقد ساهمت هذه القطع القديمة والطريفة من الأثاث، في تسخين أجواء المكان واعطائه طابعا أنثوياً بسيطاً وعملياً دافئاً.
كشفت اعمال الترميم عند السقف عن وجود عوارض من الاسمنت كانت مغلفة بقوالب من الجص. وقد قررت سولين ابرازها كما هي في حالتها الخام من دون دهان.
أما الأرضية المنفذة من الباطون، فقد تم ترميمها وصقلها بمظهر لامع، و بشكل يعزز طابع المكان وهويته الصناعية و التي عمل الديكور على تأكيدها من خلال العديد من التفاصيل: أولها المحافظة على التشابه بين الجدران والنوافذ والأبواب الزجاجية، وكذلك الأرضية المصاغة من الباطون، وابراز العناصر المعدنية من أبواب وأعمدة وخزائن وقطع أثاث. عناصر تلعب - اضافة الى مهماتها الوظيفية - ورقة الديكور ببساطة وأناقة.
تنقسم الشقة ثلاثة اجزاء رئيسية وهي: صالة المعيشة المحددة بهياكل من الباطون، وهي تضم الصالون و السفرة والمطبخ.
تحت هيكل من الاسمنت يشغل الصالون مساحة مستطيلة واسعة تتوزع حول مدفأة من الغاز، كنبة سنوز محاطة بأباجورة من الزجاج اكسي مندي مع كنبة صغيرة «مون تابل» من تصميم اوشر، أحضرتها سولين من باريس . مزيج من الطرز والأساليب بين كراسي برشلونة وكنبة سنوز وطاولة البيبي فوت، التي تعود الى سنوات الستينات والتي وجدتها صاحبة المكان عند أحد باعة «الأنتيكة» في ذلك الحي.
بينما تحتل غرفة الطعام، ركنا مجاورا للأبواب الزجاجية الكبيرة والنوافذ التي يتسلل منها النور. طاولة الطعام، وكرسي «برشلونة» من تصميم فان دير روش والمناضد العالية وكذلك كراسي غرفة الطعام الأسكندنافية، ابتيعت من أحد المخازن اللندنية.
وكذلك الثريا الضخمة المعلقة تحت عارضة من الاسمنت، من تصميم ارتيك بير وهي توزع الضوء من خلال 150 اجاصة من الزجاج المنفوخ. ويصل وزن كل قطعة من هذه الإجاصات الزجاجية الى 300 غرام.
اما المطبخ، فقد استوحت سولين أجواء زخرفته من طابع الروافد المعدنية المصنوعة من الصلب والتي تدعم هياكل الاسمنت، فطلبت من احدى مؤسسات المطابخ المتخصصة ان تنفذ لها خزانة ضخمة من الأينوكس للصحون تبدو كأنها معلقة من السقف.
بينما تتوالى في عمق المساحة وتحت انحناءة النوافذ مجموعة من الخزائن المنخفضة التي تسمح بعرض وتخزين الكثير من الأكسسوارات و الأدوات التي يفيض بها المطبخ.
وقد حمل التصميم إلى أجواء المكان لمسة من الأناقة بطابع خاص جذاب وعملي.
غرفة النوم مميزة ببابها المعدني الضخم الجرار المعلق فوق سكة حديد، يشبه أبواب غرف البرادات، مصنوع من الزنك ويشكل علامة بارزة في ديكور الشقة بتناغم بارع مع باقي موجوداتها من ستائر وقطع اثاث غريبة. ويساهم هذا الباب مع ستارة المخمل الأرجوانية اللون التي تزين نافذة غرفة النوم في إيجاد جو حميم وخاص في الغرفة، فهما الى جانب مظهرهما الزخرفي المميز يساهمان في تعزيز تسلل أضواء المدينة في المساء الى فضاءات المكان أو التخفيف من حدتها.
السرير مبتكر في فكرته وتصميمه وهو عبارة عن جذعين من شجرة سنديان تم نقلهما الى الشقة.
البساطة والمظهر الطبيعي للخشب يتجانسان بروعة مع هياكل الاسمنت والأثاث المختار.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024