منزل ليانا ياروسلافسكي
اذا جاز لنا- ولمرة واحدة - أن نطلق إسم قصيدة على عمل من خارج عالم الأدب، فإن هذا المنزل أول ما يستحق هذا الأسم بإمتياز. فالشاعرية التي تسكن أجواءه، وتحف في كل جانب من جوانبه وتمسك بكل تفصيل من تفاصيله، جعلته قصيدة فريدة. المنزل الذي يبعد ١٥ دقيقة فقط عن وسط باريس، يقدم من خلال معالجاته الزخرفية، رؤية جديدة لفن الديكور مشبعة بالشاعرية والتلقائية التي لا تخطئها العين ولا يستهجنها الشعور.
صاحبة هذه الرؤية هي الروسية ليانا ياروسلفسكي التي تركت بلادها لتعيش في نيويورك، حيث درست الديزاين والإعلان وعملت سنوات طويلة هناك، قبل أن تأتي الى باريس لتستقر فيها وتواصل أعمالها المميزة في مجال الديكور.
تجربة فنية ثرية يعززها حس فطري بالجمال والأناقة والرفاهية. فهذه الفنانة التي تمضي الكثير من أوقاتها في صالات المزادات وأسواق الأثاث القديم بحثاً عن دررها المفقودة، قلما تعود فارغة اليدين: قطعة أثاث مدهشة، اكسسوار طريف، أو باب خشبي قديم سيجد مكانه في فضاءات منزلها الواسع أو في حديقتها المزهرة. وهي تعيد صقله وتأهيله لوظائف جديدة في منزلها الخاص أو في بعض مشاريعها التي تحمل في أجوائها مسحة خاصة مشبعة بالعاطفة والحنين الى الأزمنة الماضية. وهي لا تتردد أبداً في المواءمة بين طرز عديدة، ما دام هناك رابط خفي يجمعها، تاريخي، تراثي أو رموز خفية. ففي صالون منزلها المطل على الحديقة الواسعة المحيطة، يتسلل الضوء الطبيعي بحرية ليسكن الزوايا والأركان. يتغير المشهد الزخرفي بحسب قوة النور أو خفتانه، تاركاً في الكثير من الأحيان لثريات «المورانو» والكريستال الموزعة في الأركان أو المفككة والمحبوسة داخل اطار طاولة منخفضة في الصالون، ان تشع أنوارها بايقاعات مدروسة لتصنع في كل لحظة أو مناسبة جواً جديداً.
تتنوع الجلسات وتتغير المشاهد الزخرفية من مكان الى آخر في هذا المنزل القديم، فتلبس كراسي «الشسترفيلد» فراء مونغولياً، أو تتزين قناديل الإضاءة البندقية الحرفية الصنع بلآلىء من كريستال «المورانو».
اينما تنقلنا في هذا المنزل، تستقبلنا الأجواء رحبة، مضيافة، مشبعة بالدفء، وبلمسات ليانا التي تطبع فضاءات الأمكنة بنفحة من الطرافة والشاعرية لا نستطيع حيالها غير الشعور بالراحة والأمان.
جلسة المدفأة من الأركان اللطيفة التي تتجمع حولها الكثير من النفحات الزخرفية المتباينة و المواد، فنجد فيها ارائك كلاسيكية الطابع ملبسة بقماش القطن الأبيض، تجانس طاولة مربعة منخفضة من «البلكسي غلاس»، تحتضن في داخلها ثرية مفككة من «المورانو»، نسقتها ليانا باسلوب مبتكر لتشع بنور يضفي على الجلسات رونقا حميماً. أما المدفأة فزينت واجهتها بلوحة لسماء زرقاء خادعة للنظر، تخفي خلفها تقنية حديثة، تتيح استعمالها كشاشة عرض يزينها إطار مبتكر.
المطبخ هو من المساحات الجميلة والمضيئة التي تتواصل مع الحديقة عبر باب طريف من خشب البلوط بسماكة ١٠ سم، استعادته ليانا وأعادت تركيبه مكان الباب الأصلي، وقد وجدت له درجاً مناسباً من الحجر القديم عثرت عليه صدفة في احدى أسواق الانتيكا.
بينما حافظ المطبخ على خزائنه الخشبية الأصلية والتي تم تلبيس أسطح بعضها بقطع من الزنك والرخام، وقد تخلل التنسيق خزانة ريفية الطابع تحمل علامة Provence&Fils. بينما تم تلبيس المجلى الخاص بالصحون ببعض قطع الرخام تعود لمدفأة قديمة.
غرفة الطعام، تحتلها طاولة مستديرة وكراسٍ من الزنك المصقول، وخزانة صينية الطابع، بينما زينت المدفاة التي تتصدر احد الجدران منحوتات تحمل الطابع الصيني من تصميم Liu Liguo.
عند السلم المؤدي الى غرف النوم في الطابق العلوي، تلفت الأنظار لوحة فنية طريفة مصاغة من الأقمشة، ترافق السلم في امتداده حتى الطابق الأعلى. غرف الأطفال أنيقة ببساطتها، تفصل بينها أبواب جرارة من تصميم ليانا. أما الحمام الخاص بهم فلا يقل لطافة وطرافة، بمغطسه المصاغ على شكل برميل مزنر بشريط من الزنك الذي يغطي الجدران أيضاً على ارتفاع منخفض.
أما الممر الموزع للغرف فقد احتل جانباً منه كرسي للحلاقة، بعد ترميمه وتقديمه بصيغة جديدة.
غرفة النوم الرئيسية، تفيض أناقة ورونقاً، تتصدر حائط منها خزانة ريفية، بينما زين رأس السرير فيها بتماثيل نصفية من الجص نسقت فوقها قبعات واكسسوارات مدهشة، تعكس في طابعها الجميل جانباً من طبيعة سيدة المكان ورؤيتها للأناقة والرفاهية.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024