منزل آل شيخاني
لا يصدق من يمر بمنزل آل شيخاني أنّ هذا ما صاره ذلك البيت المهجور. فأسياد المنزل نفضوا عن بيت الأجداد الغبار، ليصبح تحفة معمارية تعبق بذكريات التاريخ وروعة الحاضر. هذا القصر نموذج للبيت اللبناني العريق، حرص المالكان على عدم التفريط بأي حجرمن حجاره العتيقة بل صقلاها وكحّلاها ليكحلا بها عيون الناظرين. فالمالك طبيب العيون حريص على إمتاع العيون.
كلّ شيء في هذا المكان يوحي بالراحة وبمنزل العطلة والإستجمام حيث يلتقي أصدقاء العائلة لتمضية نهاية الأسبوع في بلدة جميلة شمال العاصمة بيروت. فالمالكان السيدة فاديا وزوجها الدكتور وليد شيخاني يحبّان جمع الأصدقاء والأقارب. لذا كثرت غرف النوم المخصصة لهم والمجهزة بكلّ وسائل الراحة، وقد ضمّ معظمها صالوناً وحماماً، لتكتمل وسائل الراحة. وتخبرنا المالكة عن سعادتها في لمّ شمل الأصدقاء وقد جهّزت مطبخين، واحداً في الطبقة الأولى وآخر في الطبقة السفلية لتسهيل العمل والطهو الذي تتقنه. ولا بد من الاشارة الى أنّ الخشب الذي صنع به المطبخ إستورده أصحاب المنزل من أوستراليا نظراً إلى ميزته وفرادته، منها أنّ لونه يصبح داكناً مع مرور الزمن.
مسيرة تشييد هذا المنزل حافلة بالدقة والإبتكار، صحيح أنّ مهندساً عاون المالكين لكنّهما جهدا لإتباع أدقّ التفاصيل لا سيما لجهة المفروشات. فانتقاؤها كان صعباً، وحتى إيجاد القطع المناسبة، لكون المنزل يتطلّب طرازاً خاصاً، ضارباً في القدم والعراقة. كما عمد المالكان إلى تنفيذ بعض المفروشات مستعينين بحرفيين، وانتقيا قماش الصالونات والستائر بما يتناسب وهذا الطراز الشرقي القديم.
عندما بدأ المالكان ترميم المنزل القديم فوجئا بعدد القناطر والأقبية المعقودة من الحجر الذي رُمّم وأضيفت اليه أقبية أخرى، لكن الهندسة انطلقت من الموجود والحفاظ عليه لأنه الأساس الذي بنيت عليه قصة هذا المنزل. كما أنّ البناء القديم كان يقتصر على طبقتين الأولى والسفلى. فالأخيرة ضمّت غرفة المدفأة وغرف النوم وصالات اللعب المخصصة للأولاد. أما الطبقة الاولى فضمّت الصالونات وغرفة الطعام والمطبخ إلى جانب غرفة مخصصة للضيوف. وقد استحدثت طبقة علوية تحت السقف القرميد حيث غرف النوم أيضاً ليصل عددها الى ست موزعة على ثلاث طبقات الى جانب الحمامات الستة أيضاً.
الطبقة المخصصة للإستقبال توزعت في أرجائها أربعة صالونات لا تفصل بينها حواجز إفساحاً في المجال لإظهار تشابك القناطر على امتداد النظر. حتى المطبخ لم يُفصل عن باقي الأجزاء بباب من الخشب بل بحاجز من الخشب تداخل معه الزجاج.
الصالونات الأربعة تجانست ألوان أثاثها نظراً الى رحابة مساحتها واتصالها ببعضها بأسلوب هندسي جميل. وبدا الأصفر والبني والقرميدي واحة من الجمال المنبسط بين جدران كأنها تتأمّل في ما تحضنه. أثاث الصالونات طغى عليه الخشب بألوانه الداكنة والزاهية، منه ما هو مزخرف ومنه ما هو بسيط التصميم.
بعض الجلسات طغى عليه الخشب أكثر من غيره، ربما لأنّ السقف ازدان بقطع من الخشب المستطيل تدلت منه أيضا ثريات من الكريستال.
اللوحات الزيتية جزء اساسي من الهندسة الداخلية، زيّنت بدورها الجدران المزدانة بالحجر، وإختلفت أحجامها، منها ما وضع بحجمه الكبير وإطاره المزخرف المذهب، ومنها ما هو بالحجم الصغير وضعت جنباً إلى جنب لتشغل كلّ الجدار. وأجمل ما تزيّنت به الجدران هي النوافذ التي أخذت مكان لوحة زيتية بدقة تنفيذها و جمالها، عبارة عن موزاييك أو زجاج مزخرف بألوانه الزاهية بالأزرق والأصفر، زيّنت الدرج الذي يقود إلى الطبقة العلوية.
الجلسات في هذا المنزل لا تقتصر على الداخل بل افترشت المقاعد الصيفية من الخشب والخيزران الشرفة الكبيرة في الطبقة العلوية، وانتقت لها المالكة قماشاً جميلاً وأرائك ملوّنة، حيث تحلو للجالس من علو تسريح نظره الى المدى الأزرق والحديقة الغناء المحيطة بالمنزل. فصاحبا الدار إعتنيا كثيراً بالخارج كما بالداخل لتكتمل اللوحة الخارجية مع الهندسة اللافتة للمنزل من الحجر الأبيض والنوافذ والأبواب الخشب باللون الازرق.
وحرصاً على عدم التفريط بأي جزء تراثي من المنزل، يتم إستحداث غرفة مخصصة لأجهزة الكومبيوتر واللعب للأولاد ليس داخل المنزل هذه المرّة انّما في الخارج وتحديداً في الحديقة إلى يمين الباب الخارجي للدار. هذا المكان الذي نصل إليه ببضع درجات كان قديماً، أي منذ مئات السنين مخصصاً للمواشي، إنما دورة الحياة وتطوّرها أرادا له ان يكون مركزاً للتكنولوجيا، أليس الفرق بسيطاً؟!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024