شقة باريسية.. عملية جداً
خطوط صارمة ولكنها نقية، جادة ولكنها عملية. تناسب الكهول كما تناسب الشباب. شقة تعكس روحاً جديدة في المعالجات الزخرفية وتناول الفضاءات الداخلية للمنازل والشقق. لا مكان للزوائد، وفيها كل ما يحتاجه الأنسان في الحياة اليومية: مكان مريح، أنيق، ويوفر رفاهية متكاملة. فيها من البساطة ما يمكن أن يكون صادماً، ولكن حين نتأمل تفاصيلها سنجد أن كل عناصرها هي نتيجة دراسة متعمقة، وتغطي كل الجوانب. العملية والجمالية بعدالة يصعب التعليق عليها.
والأمر الذي ساعد في أنجاز هذه الشقة على هذا النحو الجديد، هو وجودها في عمارة تعود الى ستينات القرن الماضي، وهذا يعني في المفهوم الباريسي أنها عمارة جديدة. فهي من ناحية لم تتطلب تغييرات جوهرية في البنية والهيكل، ومن ناحية ثانية تتمتع بنواقذ كبيرة توفر الأضاءة الطبيعية التي يتطلبها هذا النوع من الديكور.
الصالون وغرفة الطعام يجمعهما فضاء واحد، والأثاث البسيط الذي اختير لهما بعناية فائقة يجمع بين الرفاهية والعملية والجمال. ولكنه أيضاً يحافظ على فضاء المكان ويمنح الساكن شعوراً واقعياً بالاتساع والرحابة. ففي ركن الجلوس كنبة كبيرة من الجلد البني المحمر بقوائم معدنية تذكر بأثاث الستينات وتتسع لثلاثة أفراد، وهي تواجه عنصر أثاث خشبي أبيض يغطي مساحة الجدار المقابل.
وعنصر الأثاث هذا يلبي الاحتياجات المطلوبة. فمسطح العمل الذي يعلو خزائن ضرورية لحفظ الكثير من الأوراق والوثائق وغيرها، يستخدم مكتباً للكومبيوتر المحمول. بينما خصصت مساحة لشاشة تلفزيونية مسطحة، وفي القسم العلوي لهذا العنصر ركن الطعام تتوسطه طاولة بيضاء بيضوية الشكل من المعدن المصقول، تحيط بها ستة كراسٍ تشكل محاكاة لكراسي ركن الجلوس، تعلوها وسائد بقماش بلون الستائر.
وأمام عنصر الأثاث هذا كرسيان من المعدن المشبك ومجالس باللون الأحمر القاني، واحد للعمل أمام المكتب، والآخر من قطعتين يتيح وضعاً مريحاً للتمدد أو القراءة أو مشاهدة التلفزيون. وتتوسط هذا الركن طاولة منخفضة زجاجية بقوائم معدنية.
وستائر النافذة الكبيرة مزدوجة من قماش الكتان بلون جلد الكنبة الجلدية الكبيرة، والتول الشفاف الذي يتيح دخول الضوء بشكل دائم. وقد اختيرت سجادة بيضاء كبيرة من الصوف تغطي كل أرضية المساحة (ركن الجلوس وركن الطعام) فأضافت الى الجدران المطلية بالأبيض جواً من الرحابة والنقاء، فبدا المكان مضيافاً رحباً، وأيضاً بدا كأنه ملاذ للتأمل والتفكير.
ركن الطعام تتوسطه طاولة بيضاء بيضوية الشكل من المعدن المصقول، تحيط بها ستة كراسٍ تشكل محاكاة لكراسي ركن الجلوس، تعلوها وسائد بقماش بلون الستائر. وعلى طول الجدار المزدوج المقابل للطاولة، والذي تنطلق الأضاءة المخفية من أعلاه وأسفله لتضيف الى الجو نعومة ملحوظة ، تم تثبيت عنصر أثاث خشبي باللون الأسود ويستخدم كخزائن لأدوات المائدة ومتطلباتها.
وهو يشمل محاكاة موفقة لمسطح العمل في عنصر أثاث ركن الجلوس، وكذلك يقيم صلة بديعة مع مسطح المطبخ (الأميركي) الذي يطل على الركنين بأناقة لا يمكن تجاهلها.
فالمطبح وحده يستدعي الوقوف عنده طويلاً، ذلك أن الطريقة التي تم فيها تنسيقه واختيار عناصره جعلا منه ركناً لا يقل أناقة عن أركان الشقة الأخرى، ومن الصعب التكهن به مسبقاً للناظر من ركن الجلوس أو ركن الطعام، فأثاثه يكاد يخفي كل التفاصيل التي نعرفها في المطابخ.
وهو من هذا المنظور جيل جديد من المطابخ المفتوحة، ونمط مختلف عما رأيناه حتى اليوم. على أن الوقوف في داخله يكشف، ليس الصيغة العملية التي تم إعتمادها في تجهيزه فحسب، بل أيضاً إكتمال الشروط العملية والجمالية والتي نادراً ما يمكن تحقيقها في مطبخ بمساحة محدودة جداً.
والاضاءة في هذه الشقة تعكس دراية وخبرة وحساسية بالغة، فهي في كل مكان نحتاجها فيه سنجد أنها تنبثق من مكان ما غير منتظر. وهي هنا تتآلف بشكل كامل مع الاضاءة الطبيعية التي تضخها النوافذ الكبيرة والتي تشكل أحدى ميزات هذه الشقة.
ولكي يعطي للأضاءة بعدها المطلوب، عمد المهندس الى إستخدام العوازل الزجاجية المشغولة، فحلت محل الأبواب واستخدمت لحجب ركن المطبخ أثناء العمل فيه. وكذلك لعبت المرايا الكبيرة دوراً في زيادة الشعور بإتساع المساحة، حيث تم تثبيت واحدة كبيرة تغطي الحائط بكامله عند المدخل، يتقدمها مقعد من الجلد بقوائم معدنية، يقيم صلة مباشرة مع كنبة ركن الجلوس الكبيرة.
كذللك تم تعزيز الشقة بكثير من الخزائن المخفية والتي تتسع للكثير من الحاجيات، أبتداء من الملابس وصولاً الى ما يراكمه الزمن في المنازل والشقق من أغراض لا يمكن التخلي عنها.
الممر الذي يقود الى غرفتي النوم، يدخلنا من خلال تنسيقه وألوانه في جو حميم ودافىء. وغرف النوم تكاد تشبه غرف فنادق الخمس نجوم، وهي رغم مساحتها المحدودة توفر لشاغلها رفاهية لا تحد. فالأضاءة فيها تواكب روح المكان. وعلى الجدار المقابل للسرير شاشة تلفزيون معلقة وخزائن أنيقة لملابس النوم.
ولا تخلو كل واحدة من الغرفتين من لمسات تؤكد ملامح صاحب هذه الشقة وتبرز الجانب العملي في حياته. ولكل غرفة حمام خاص بها، يشكل امتداداً طبيعياً لجو الغرفة. وهو مشغول بأسلوب المنمنمات التي تشارك في ينيانها الجمالي تفاصيل يصعب حصرها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024