«قصر الفقاعات» لبيار كاردان
في الجنوب الفرنسي تطل على البحر مجموعة من الكرات الناعمة، لتظهر من بين تعرجات «تيول - سور - مير» كأنها صخور منحوتة، بإزميل الطبيعة الأم. «قصر الفقاعات». هكذا يطلقون عليه، بنوافذه الألف التي تلتمع تحت أشعة الشمس فتبدو وكأنها تنتمي لعالم آخر. «بيار كاردان» مصمم الأزياء الفرنسي الأكثر شهرة، وقع عام ١٩٧٠ في حب «فقاعات» المهندس الهنغاري الأصل أنتي لوفاج، وسعى لامتلاك هذا «الجنون الهندسي» الطليعي.
حداثة وبدائية، غرابة وتفرد، تتمدد على مساحة ١٢٠٠٠ متر مربع الى جانب مسرح مفتوح، يتسع ل٥٥٠ متفرجاً، ويستقبل مختلف النشاطات الثقافية.
المنزل نفسه يتألف من صالة إستقبال وصالون بانورامي، وليس أقل من عشرة أجنحة. وفي الخارج أحواض عديدة وحديقة بمساحة تصل الى ٨٥٠٠ متر مربع. ويبلغ طول البناء ١٠٠ متر. وهو مقام على ٦ مستويات، وتشرف واجهته الرئيسية على البحر مباشرة. ويرجع الفضل في بناء هذا القصر الى الصناعي الفرنسي بيار برنار الذي كان مأخوذاً بأبحاث المهندس أنتي لوفاج المستقبلية. فكلفه بناء هذا المنزل الذي يتمدد على مساحة هكتار من الأرض الجبلية. «الماكيت» الأولى وضعت عام ١٩٦٩. وكان جزء من هذا المنزل قد بني في السبعينات. يقول بيار كاردان: «بيار برنار كرس كل طاقته وثروته لهذا البناء، وعند وفاته لم يكن هذا المنزل قد اكتمل، فاقترح أولاده علي أن أشتريه، وذلك بناء على وصية والدهم».
وهكذا إنتقلت ملكيته الى مصمم الأزياء الشهير عام ١٩٩٠، والذي تكلف الكثير لاتمامه بشكله الحالي.
كل أجنحة قصر الفقاعات أثثتها أفكار فنانين معاصرين، من أمثال باتريس بريتو وجيروم تيسيرون ودانييل يو وفرنسوا شوفان وجيرار لو كلوارك.. أشياء هذا القصر غريبة وفريدة وغير مسبوقة، ولكل قطعة تاريخ وحكاية. فالتلفزيون الأسود، مثلا في الصالون، هو ابتكار غريب، يمكن تدويره في كل الاتجاهات، إنه شكل العين في الواقع. كذلك مقاعد الصالون التي رسمها بيار كاردان بنفسه، ونفذها الحائك الشهير كلود بريفوست. هذه المقاعد التي تبدو وكأنها منحوتات إستلهمت الطبيعة، نباتاتٍ وجذوراً من الأرض.
كل شيء في الداخل من الأرضيات حتى الأسقف يأخذ شكلاً كروياً. وأضواء بحر الأبيض المتوسط تدخل بسخاء عبر أعداد لا متناهية من النوافذ الدائرية. هو إبداع فنان، حيث الظلال تلعب مع المستديرات لترسم لوحات حقيقية من الضوء.
في هذا المكان ننسى الزوايا الحادة والأعمدة الصلبة المستقيمة لننخرط ضمن أشكال البيئة الطبيعية. هذه هي القاعدة البسيطة التي سمحت لهذا المكان بأن يتحول الى ثورة حقيقية في مفهوم المسكن. عودة مؤكدة الى الجذور، بل هي عودة الى المبادىء الأساسية لسكن الأسلاف.
وفي هذا القصر الغريب، يمضي بيار كاردان أجمل عطلاته الصيفية، فهو هنا من بداية آب/أغسطس من كل عام مع عدد كبير من الأصدقاء المدعوين، وفي منتصف الشهر يقيم كاردان غداء يختار له موضوعاً محدداً، يحضره العديد من وجوه المجتمع الفني.
وفي أثناء إقامة مهرجان كان السينمائي، يطلب كثير من نجوم السينما العالمية زيارة «قصر الفقاعات»، وفي الفترة الأخيرة زارته النجمة العالمية شارون ستون والممثل العالمي أرنولد شوارزنغر.
والحقيقة أن هذا القصر واجه الكثير من الصعاب، فقد ثار الكثيرون من أهالي المنطقة على المهندس، وانضم اليهم رئيس البلدية، وكانت حجتهم في ذلك الوقت، أن هذا البناء لا يتلاءم مع طبيعة المنطقة، وقد يسيء الى تراثها. ومن أجل ذلك بني هذا القصر على مراحل امتدت عشرات السنوات. وكانت تتم الاضافات والمراحل كلما هدأ الضجيج حوله.
ولم يدر في خلد المعترضين أنه سيكون في يوم ما أحد المعالم الرئيسية للمنطقة، ومقصد الكبار من العالم كله. وتقيم مدينة «تيول - سور - مير» كل عام حفلة موسيقية على المسرح المفتوح الملحق بالقصر والذي أضيف بطلب من بيار كاردان نفسه بعد شرائه القصر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024