بورصة التركية تنافس الألب السويسرية
بين اسطنبول وأنقرة بورصة رابع أكبر مدن تركيا والتي تنافسها في تاريخها العثماني وترفها الطبيعي. ها هي بورصة تستقبل هواة التزلج بعدما حطّ الجنرال الأبيض رحاله ورمى رداءه الثلجي على قمة جبل أولوداغ الذي يزنّرها جنوباً، معلناً أن الشتاء في بورصة قد وصل.
تركيا مشهورة على خريطة السياحة العالمية بمعالمها الضاربة في أعماق التاريخ، وخاصة المئات من قصور سلاطين الدولة العثمانية وما فيها من كنوز لا تقدر بمال، مروراً بمضيق البوسفور الحيوي الذي يربط حركة التجارة العالمية مثلماً يربط بين آسيا وأوروبا، إلى جانب العشرات من الأسواق الشعبية والمراكز التجارية الحديثة، ومعالم كثيرة يحار الزائر لتركيا اليوم في المفاضلة بينها.
لكن تركيا الشتوية أصبحت، وبحق، رقماً لا يستهان به في جذب أكثر من مليون زائر لمدينة بورصة وحدها، والتي تكسو جبالها الشهيرة، وخاصة أولوداغ، الثلوج في الشتاء لتتحول إلى منتجع لممارسة الرياضات المحببة لهواة التزلج وغيره، ولتنافس بثلوجها وجمال جبالها الألب السويسرية ومراكز التزلج الشهيرة في النمسا وغيرها.
أربع ساعات من السفر جواً - قد تقل أو تزيد قليلاً- بين السائح العربي وبين تركيا التي اعتاد على زيارتها، ولكنه يشاهدها اليوم بعين مختلفة من خلال زيارة لمجموعة من الإعلاميين من دول مجلس التعاون الخليجي نظمتها الخطوط الجوية التركية وبلدية بورصة للتعرف على السياحة الشتوية في تركيا، والتي نعرض هنا لأهم معالمها.
بورصة «مدينة الجنة»
يقولون عنها «مدينة الجنة» ليس فقط لما تحمله من أرث تاريخي وماضٍ عريق، ولكن لموقعها الجغرافي وطبيعتها الساحرة وتجربتها التجارية، واستضافتها للثقافات المختلفة منذ قديم الزمان وحتى اليوم، وللقيم العديدة التي تشكل نسيج تلك المدينة التركية الساحرة بورصة.
هي أرث لآلاف السنين، وفسيفساء زاهية الألوان عاش على أرضها العديد من الثقافات والأجناس عبر التاريخ. هدمتها الحروب، وأعيد بناؤها لتتحول إلى متحف حي، حيث يمكنك التجول في أحياء بورصة التي تعبق برائحة التاريخ مع نسمات الريح التي حملها المهاجرون، ولتشعر أثناء التجوال في أسواقها الشهيرة بأنك في اسطنبول .
وبورصة، كمدينة سياحية، تستضيف كل عام مئات الآلاف من الضيوف لزيارة المعالم التاريخية، والسفوح التي تتلون بأكثر من لون حسب الموسم والطقس، وما تتميز به من مياه باردة وينابيع ساخنة.
تنوع سياحي وطبيعة خلابة
تعد بورصة بجبالها وتعدد مقومات السياحة فيها اليوم واحداً من مراكز الجذب للزائرين القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة أنها توفر بتنوع مزاراتها السياحية المتعة لمراحل العمر المختلفة، ومن هنا كانت السياحة العائلية هي السمة البارزة لزوار بورصة.
ويمتد الأمر إلى حركة سياحية من أوروبا وحتى اليابان والصين وروسيا.
وتشتهر بورصة بالعشرات من الآبار التي تحتوي على المياه الساخنة والتي تجذب من يرغب في السياحة العلاجية من خلال العشرات من الحمامات الصحية، إلى جانب كونها مركزاً عالمياً لصناعة السيارات لأسماء معروفة يجذبها رخص الأيدي العاملة التركية ومهارتها، وخاصة السيارات الفرنسية والإيطالية، كما يوجد فيها أفضل معامل الحرير في تركيا والعالم.
وتشتهر بورصة أيضاً بالعديد من الآثار التاريخية التي تعود إلى عصور الرومان والبيزنطيين والأتراك السلاجقة وحتى عام 6000 قبل الميلاد، والمساجد التاريخية والخانات ذات الطرز المختلفة والحمامات، والأسواق المغلقة، والنوافير وينابيع المياه والبيوت العثمانية القديمة.
أولوداغ مركز الرياضات الشتوية
تقع أولوداغ في جنوب بورصة، وتتميز بطبيعتها الخلابة، وأعلنت حديقة وطنية لغناها بالثروة الحيوانية والنباتية، حيث يمكن التمتع في متنزّه اولوداغ الوطني على مدار العام، سواء لممارسة الرياضات الشتوية شتاءً أو التخييم والاستمتاع بالرحلات اليومية وجمال الطبيعة والخضرة صيفاً.
ويشتهر جبل أولوداغ الذي تكسوه الثلوج طوال فصل الشتاء والخضرة الدائمة على مدار العام، بقدرة أجواء الجبل على تجديد خلايا الدم في أجساد الذين يقيمون فيه لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع. ويشكل أعلى قمة في منطقة شمال غرب الأناضول، ويمتد عرضه بين 15 و20 كيلومتراً، وكان يطلق عليه اسم «اوليمبوس» قبل العهد البيزنطي، وكان يعرف أيضاً بجبل الراهب بسبب وجود عدد كبير من الأديرة فيه.
أما في العهد العثماني فأصبح مكاناً يعتكف فيه الدراويش المسلمون، وأطلق عليه اسم أولوداغ منذ عام 1925، وبعدها بثماني سنوات بني أول فندق وطريق معبّد ليتحول المكان بمرور السنوات إلى مركز للرياضة الشتوية ومتنزّه وطني وأكبر مراكز التزلج في تركيا، علماً أن الطول الإجمالي لحلبات التزلج في الجبل يبلغ 25 كيلومتراً.
وقد يصل ارتفاع الثلج إلى ثلاثة أمتار في أشهر الشتاء العادية، بينما ينتشر في الجبل 30 مرفقاً سياحياً وأكثر من 3500 غرفة فندقية.
الجوامع
تعد «بورصة» المدينة الثانية بعد اسطنبول من حيث عدد الجوامع في تركيا، خاصة تلك التي تعود إلى المرحلة الأولى من العهد العثماني، وفيها أحد اكبر الجوامع في تركيا، وهو الجامع الوحيد الموجود في «بورصة» ذو عشرين قبة ويسمى «بورصة الكبيرة».
ومن أشهر الجوامع هناك أورهان، وعلاء الدين، والشهادة.
الخانات
أشهر الخانات خان أمير»خان بيه» وهو أقدم الخانات العثمانية، ويستخدم اليوم كمكان لتجاذب أطراف الحديث وتجمع من يقتنون الكتب الدينية ومنتجاتها، و«خان كوزا» الذي بني عام 491 وسمي كذلك بسبب تجارة الشرانق فيه، وهو اليوم من الأسواق المعروفة لمنتجات الحرير واجتذاب السياح من محبي الحرير.
وهناك أيضاً «خان الفضة» وخان الحرير القديم الذي بناه السلطان سلطان محمد، و«خان فدان» الذي كانت تباع فيه الشتلات الزراعية وفي حديقته مسجد، وخان إيفاز باشا الذي بناه إيفاز باشا في القرن الخامس عشر وأهدي للسلطان شلبي سلطان محمد، و«خان الملح» وهو من أصغر خانات بورصة وبناه عمور بيه لتأمين الدخل لجامعه الشهير، و«خان الغلة» أو الحبوب الذي بني في القرن السادس عشر الميلادي، وهو وقف لوزير السلطان القانوني سميز علي باشا، والسوق المغلق وهو سوق طويل أتسع بمرور الزمن بإضافة خانات جديدة إليه لباعة الكتب والألحفة والعطارين والصناديق وصانعي المجوهرات والعمامات وباعة الحرير ومربي أحصنة الحرب، وصناع النحاس.
وقد تعرض السوق عبر التاريخ للكثير من الحرائق والزلازل لكنه بقي صامداً وموجوداً، وبقي يغذي المدينة كشريان رئيس من شرايينها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024