للخريف في اليابان مهرجانات تحتفل بألوانه
عندما نفكّر في الخريف تنبثق في شريط مخيّلتنا مشاهد لطبيعة تتعرّى من نضارتها وغابات تتهاوى أوراق أشجارها التي تداعبها نسائم الخريف الباردة المتسرّبة من جبال تستعد لتكتسي رداء الإمبراطور الأبيض.
ولكن الخريف في اليابان مختلف، بل هو موسم للإحتفال والفرح.
فمع قدوم تشرين الأوّل/أكتوبر تدخل اليابان من أقصاها إلى أقصاها ببحورها ومدنها وجزرها وريفها في متاهة الخريف الذي يجعلها ترقص في زوبعة من الألوان تتلاعب بالأبصار فتحار بين الأرجواني والذهبي والنحاسي والأصفر، وتُفرش الهضاب والجبال بسجاد من الألوان اليابانية المنمّقة، تنبسط عند أقدامها حقول الأرزّ التي ارتدت ثوبها الذهبي منتظرة من يحصد خيراتها.
فيعبّر اليابانيون عن غبطتهم بحلول الخريف في مهرجانات ثقافية ورياضية.
مهرجان كونتشي في ناغازاكي
يعتبر ناغازاكي كونتشي، مهرجان الخريف في «سوا شينتو شرين»، واحداً من أروع المهرجانات في اليابان.
يقال إن كلمة كونتشي أتت من كيونيتشي أي يوم المزار، فيما هناك نظرية أخرى تقول إن أصل الكلمة كو - نيتشي أي اليوم التاسع مستندة إلى اليوم التاسع الميمون للشهر التاسع من السنة.
أقيم مهرجان كونتشي للمرة الأولى عام 1634، واستنادًا إلى هذا التاريخ فإن المهرجان كان في الأصل جزءًا من حكمة باكوفو ليعيد روح ياماتو إلى ناغازاكي التي كانت عام 1614 البلدة اليابانية الوحيدة المعتنقة للمسيحية.
بعبارة أخرى يقال إن مهرجان كونتشي بدأ كمهرجان ضد المسيحية، من جانب جماعات الباكوفو والشينتو والبوذيين.
ومهما كان أصل المهرجان وأهدافه في البداية، فإن كونتشي يدخل الفرح إلى سكان ناغازاكي وزوّارها لما يتخلله من طقوس تقليدية ورقصات شعبية واستعراضات فريدة من نوعها.
ففي محيط مزار سوا، يقام سنويًا لمدة ثلاثة أيام جاذبًا حشود السياح من كل أنحاء اليابان والعالم.
ويعتبر «هونو أو دوري» العنصر الجاذب الرئيسي في هذا المهرجان فتُسمى الأحياء المختلفة بـ «أودوري تشو» فيقدّم سكانها رقصات تقليدية، على أن كل «أودوري تشو» مسؤول عن الرقصات كل سبع سنوات.
وتقدم عروض الـ» هون أودوري» مقابل القاعة الكبرى للبلدية وفي الأماكن المقدّسة وفي معبد يازاكا. ويتعيّن على كل
«أودوري تشو» صنع مراكب رومانية رائعة أو قوارب صينية بعجلات يستعرضها خلال المهرجان، فيما تقف حشود على طول الطرق يهتفون إلى من يجرّون القوارب: «تعالوا بسرعة، فنحن ننتظر».
مهرجان الخريف تاكاياما
تدهش الزخرفات الرائعة لقوارب الياتاي حشود المشاهدين أثناء استعراضها ببهاء نهارًا خلال مهرجان الخريف في تاكاياما، وتبهرهم الأنوار المشعة من المصابيح ليلاً.
يعتبر مهرجان تاكاياما من أجمل المهرجانات في اليابان، وهو مقسم مهرجانين مميزين، مهرجان الربيع أو «سانو ماتسوري» الذي يقام في مزار هي Hie ومهرجان الخريف أو «هاشيمان ماتسوري» الذي يحتفل به في مزار ساكوراياما هاشيما من التاسع إلى العاشر من تشرين الأوّل/أكتوبر.
في الخريف يستعد سكان المدينة لاستقبال الشتاء فينظمون مهرجان «هاشيمان ماتسوري»، فيبدأ استعراض القوارب الأحد عشر «ياتاي» المزخرفة بالأسلوب الياباني، أما اليحامر (اليحمور صغير الإيل) فقد نقشها أسياد الحرفيين، و يطلق عليهم هيدا نو تاكويمي.
تأتي حشود الزوار من جميع أنحاء اليابان للتمتع بسحر المهرجان الذي يشبه لوحة قديمة من الحرير تبهر الأبصار بألوان الحياة التي لا تنتهي.
فيما تدهشك الماريونات الواقفة في أعلى القوارب تتحرك بخفة بفضل الخيوط غير المرئية مما يجعل المهرجان متاهة من الألوان والحركة اليابانية.
وعند هبوط الليل حين تجتاح العتمة المدينة تصف القوارب لتنبثق منها أنوار المصابيح الزجاجية للقوارب فتغازل زخارفها ونقوشها فتبدو وكأنها شخوص تراقب هدوء المدينة بعد نهار كرنفالي طويل.
مهرجان النار في كوراما
يقام مهرجان النار سنويًا في 22 تشرين الأول/أكتوبر في مزار يوكي لاستقبال السلطة الحارسة للكوراما في الجبال شمال كيوتو.
ولمهرجان النار حكاية غريبة: يقال إن العاصمة القديمة هييان، كيوتو الحالية كانت ضحية حروب عشائرية، تعرضت عام 940 لهزة أرضية قوية.
ولحماية العاصمة من كوارث جديدة، قرّر الإمبراطور نقل مزار يوكي ميوجين حارسة البلاط الإمبراطوري إلى كومارا نحو الشمال الذي كان يعتبر بوابة دخول الشياطين والأرواح الشريرة.
وهكذا يُشعل السكان النيران على الطريق لإنارة درب الحارسة.
عند السادسة مساء تشعل النار «كاغاريبي» أمام منازل البلدة، ويحمل السكان مشاعل صغيرة وكبيرة من الصنوبر «تايماتسو» ويجولون في المدينة طوال الليل معلنين بصوت عال بدء الإحتفال.
يعتبر مهرجان النار في كوراما واحدًا من أروع ثلاثة احتفالات تقام في كيوتو. النار هي الصفة الرئيسة للمهرجان، فخلاله تشعل النيران الغريبة التي يصل علو لهبها إلى 3 أمتار، توقد في طرق البلدة إضافة إلى 250 مشعلاً تنير المدينة.
يحمل الأطفال المشاعل الصغيرة، ويليهم البالغون يحملون مشاعل كبيرة زنة الواحد منها 80 كيلوغرامًا، وعند الثامنة مساء يجتمع سكان المدينة عند مدخل معبد «كوراما ديرا» ويستغرقون في التأمل أمام مزار يوكي.
وبعد فترة وجيزة، يقوم مجموعة من الشبان بجولة في شوارع المدينة وهم يحملون على أكتافهم مزارين متنقلين «ميكوتشي»، وينتهي الاحتفال بعد منتصف الليل.
يقع مزار يوكي في جبل قريب من المدينة ويتميز المزار بأرزته اليابانية المعمّرة (800 سنة) «سوجي» بهندسة معمارية فريدة تستحضر حقبة « أزوشي- موموياما (1573- 1598) .
وهو المكان الأمثل لتأمل الألوان الخريفية في بداية تشرين الثاني/نوفمبر أو براعم أشجار الكرز في بداية الربيع في نيسان/ أبريل.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024