إسبانيا إجازة عائلية...
إسبانيا. المملكة التي تسكن في صفحات تاريخها ذكريات أندلس العرب.
تتقد فرحًا من جذوة السعادة بعدما رقص فريقها في كرة القدم رقصة فلامنكو انتهت بنيله كأس أوروبا في بطولة كرة القدم 2012 ، فلم يكن حلمًا في الكرى، بل كرة عانقت الشباك أربع مرّات فتعالت في فضاءات مدنها قهقهات صنوج خشب تلاعبت بها أنامل سمراء إسبانية أنهت رقصتها بصيحة فخر «أولليه»!
ومدن إسبانيا لا تملّ نسج حكايات أسرار الأندلس، بل تنثرها تارة وتدسّها بين أروقة التاريخ تارة أخرى.
وكأني بها متشبثة بفسيفساء من الحضارات والجمال الطبيعي.
فتبدو «باسكية» الهوى (نسبة إلى بلاد الباسك بين فرنسا وإسبانيا)، متمسكة بإرثها الأندلسي الإسلامي يفصلها عن شمال أفريقيا والمغرب العربي مضيق جبل طارق، ودينامكية كاتالونيا، وتضج جمالاً طبيعيًا خصبًا في غاليسا وقمم البرينيه التي تربط أواصرها بالقارة الأوروبية.
كل هذا يجعل مدن إسبانيا مقصدًا للعائلات العربية ليعيش أبناؤها لحظات مجد العرب في أحضان الأندلس فتتحوّل الإجازة فيها إلى رحلة في تاريخ يأخذهم إلى عالم من الأحلام، وحاضر ينسج لهم حكايات للتاريخ.
مدريد العاصمة
مدينة لا تغلق مروحتها الاسبانية بل تبقيها مفتوحة تستعرض ألوانها المعطّرة بعبق الفن والتاريخ.
إذ لديها ما يكفيها من المتاحف الاستثنائية والمتنزهات الرائعة والحياة الصاخبة، مما يجعل الإجازة فيها متعة لكل أفراد العائلة.
متحف برادو
متحف برادو Prado واحد من أكبر متاحف العالم، على زائر المدينة ألا يفوّت الولوج إلى عالم الرسم الإسباني والفلمنكي والإيطالي بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر القابع في هذا المتحف الذي يضم روائع الأعمال الفنية العائدة لغويا وفيلاسكيز.
وبالنسبة إلى العائلة فإن برنامج الزيارة يتضمن نشاطات تفاعلية للأطفال.
أما الأطفال الصغار فإن إدارة المتحف توفر مجانًا عربات جرّارة وطاولات غيار وصالة خاصة بالأمهات المرضعات.
متنزّه فونيا
المتعة في اكتشاف عدد كبير من أنواع الحيوان، الهدف الأساسي لحديقة الحيوان فونيا، فهذا المتنزّه المقسّم أجنحة ولكل جناح موضوع خاص يمزج بين النشاطات الترفيهية والتواصل مع الطبيعة.
فمتنزّه فونيا ليس مجرد حديقة حيوان أو نبات وليس متحفًا للتاريخ الطبيعي، وإنما هو كل هذا مما يجعله متنزّهًا فريدًا من نوعه.
يجعل زواره لاسيما الأطفال والمراهقين يخوضون تجربة إشغال حواسهم الخمس أثناء تجوالهم في أماكن طبيعية أعيد ابتكارها، فمن الدغل في الوسط القطبي، مرورًا بالبركان، يكتشفون هيكلاً عظيماً لحوت أبيض، ثم يغوصون في مغارة الجليد، ثم لقاء الكنغر الصغير أو محاولة التقاط الفراشات من كل الأنواع.
كل هذا يجعل المتنزّه مغامرة فريدة تحفر في ذاكرة الصغار الزوار صورًا لن ينسوها ما عاشوا.
ساحة إسبانيا Plaza D'Espana
التجوال في ساحة إسبانيا تجوال وسط مزيج ثقافي غريب، هنا تلتقي الثقافة الإسبانية والثقافة المصرية.
ففي البداية يرى زائر المكان تمثال سيرفانتس برفقة شخصيتين أسطوريتين دون كيشوت وسانتشو بانزا، وهذا ليس مفاجئًا في مدريد، ولكن عند اختراق المتنزه الشرقي للساحة يكتشف الزائر معبدًا فرعونيًا، وهو معبد ديبود قدّمته الدولة المصرية للمملكة الإسبانية كعربون شكر عن المساعدة التي قدّمتها إسبانيا في حملة حماية الآثار.
وأثناء الإجازة لا يمكن تفويت مشاهدة مصارعة الثيران في ساحة توروس مونومانتال دو لاس فينتاس Plaza de Toros Monumental de las Ventas. أما إذا كان الأبناء لا سيّما الأولاد من هواة كرة القدم فإنهم سيستمتعون بمشاهدة مباريات ريال مدريد أو أتلتيكو مدريد على أرض الملعب ليخوضوا تجربة تشجيع الفريق على أرض الواقع وليس على الشاشة.
وفي أيام الآحاد يجد الأهل هواة القطع القديمة والأنتيك ما يحلمون به في سوق البرغوت في أل راستو El rasto.
غرناطة وفن العرب الأصيل
أينما جالت العائلة في غرناطة تجد للعرب آثاراً تحدّثها عن آخر ملوكهم، عن مجدهم وانهيارهم، فهنا لا تلملم بقاياهم من ذاكرة التاريخ كما يقول نزار قباني، بل تراها حاضرة في كل ركن من مدينة تريد الاحتفاظ برونقها الذي عرفته خلال الحكم الأموي لتبقى أجمل مدن إسبانيا، والشاهدة على روعة الفن المعماري الإسلامي في أوروبا الذي يدهش كل من يزورالمدينة. فصحون الدور العربية وحدائقها الغناء توقظ إبداع أدب غني قد يقف عاجزًا عن وصف وجودها الواقعي.
ولعل قصر الحمراء الذي بُني في عصر بني الأحمر الذين حكموا غرناطة بعد سقوط دولة الموحدين من أهم المعالم السياحية في إسبانيا، التي يجدر بالعائلة زيارته لتعزز لدى الأبناء فخرهم بتاريخهم وتحفّزهم على مواصلة ما بناه قدماء العرب، فيجولون وسط عالم أمجاد العرب ويتعرّفون إلى روعة الفن العربي المتمازج بالفن الأندلسي وانفتاح الروح العربية على كل الحضارات.
فقصر الحمراء شُيّد في القرن الثالث عشر الميلادي، وترجع بعض أجزائه إلى القرن الرابع عشر.
ومن سمات العمارة الإسلامية الواضحة في أبنية القصر، استخدام العناصر الزخرفية الرقيقة في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية، وبعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء كابن زمرك، وتحيط بها زخارف من الجص الملوّن الذي يكسو الجدران، وبلاط القيشاني الملون ذو النقوش الهندسية التي يغطّي الأجزاء السفلية من الجدران.
ففي الجناح الأسود أشهر أجنحة قصر الحمراء. أنشأه السلطان محمد الغني بالله عام1391، يتعرف الزائر إلى شغف سلاطين العرب في ذاك الزمان بالفن والجمال والعلوم، فهو بهو مستطيل الشكل تحيطه من الجهات الأربع أروقة ذات عقود يحملها 124 عموداً من الرخام الأبيض، صغيرة الحجم وعليها أربع قباب مضلّعة.
في وسط البهو نافورة الأسود، يقف على حوضها المرمري المستدير اثنا عشر أسداً من الرخام، تخرج المياه من أفواهها بحسب ساعات النهار والليل.
وقد تعطلت مخارج المياه في هذه البركة حين حاول الاسبان التعرف على سر انتظام تدفق المياه بالوتيرة الزمنية التي كانت عليها.
وتوفر أبراج القصر ألكازابا Alcazaba مشهدًا يحبس الأنفاس لمدينة غرناطة. وفي مقابل القصر تقع حدائق « جنّة الخليفة» Generalife الغناء.
ويطيب للزائر التجوال في فضاء العالم الإسلامي في أزقة حي البائسين Albaicin. أما متعة الاسترخاء والترف فتكون في حمامات العرب Banos Arabes.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024