مايوركا الجزيرة الإسبانية...
في رحابة الشاطئ الشمال الشرقي لإسبانيا ثمة جزيرة تسبح في لازوردية البحر الأبيض المتوسط تتباهى بروائع الطبيعة التي تحضنها لتنافس زميلتيها جزيرتي مينوركا وإبيزا.
إنها مايوركا الجزيرة التي يتصالح في كواليسها الترفان الطبيعي والإنساني، لتتفرّد بجمال تناغمت فيه الأشكال والألوان والعطور.
فهنا يتناثر الفن القوطي بسخاء إلى جوار الفن الإسلامي، تحاكيه قرى وديعة تتباهى بكروم العنب وبساتين الزيتون، وفنادق فخمة تمتدّ على شواطئ لؤلؤية احتشد فيها هواة السمرة والرياضات البحرية.
ليتغيّر بريق النهار بأضواء الليل الذي لا ينتهي الاحتفال به إلا مع بزوغ خيوط الشمس الأرجوانية.
بالما دي مايوركا
بالما دي مايوركا هي عاصمة الجزيرة ويعيش نصف سكان مايوركا فيها. تحضن المدينة معالم وأحياء تتوالى فيها أفواج السياح التي تدلف في أحيائها القديمة وأزقتها المرصوفة بالحجارة، وجاداتها المظللة بالأشجار العملاقة، وكنائسها القوطية، والبوتيكات التي تعرض لدور الأزياء العالمية، تجاورها متاجر بيع التذكارات المتنافرة الأشكال.
تتصالح الثقافات في بالما، إذ يجاور كاتدرائية قوطية شُيّدت بين عامي 1230 و1600 قصر المُدينا الذي بناه الأمويون وسكنت فيه العائلة المالكة بعد خروجهم من إسبانيا.
تأخذك الطرق المتعرجة إلى متحف مايوركا الذي كان في الأصل قصرًا يعود إلى القرن الخامس عشر ويضم قطعًا أثرية، وتحفًا ولوحات لفنانين مشهورين.
وعلى مقربة من المتحف توجد الحمامات العربية بانياس أراباس. وفي لا ليوختا La liojta المشرفة على الخليج معلم قوطي تحول متحفًا، وفي شرق المدينة يقوم قصر بلفير Bellver.
تنتشر على طول الشاطئ مجموعة فنادق فخمة، ولكنها بعيدة عن وسط المدينة، لذا يفضل الكثير من السياح النزول في فنادق في وسط بالما التجاري، حيث الحركة لا تهدأ، فهنا تحتشد المقاهي والنوادي الليلية والمطاعم الفخمة، لتنافس المدينة بحياتها الليلية بقية مدن إسبانيا.
فالديموسا
على مسافة 15 كيلومترًا من بالما تقع فالديموسا التي يمكن زيارتها بركوب الحافلة وتمضية نهار كامل فيها والتجوال بين معالمها الثقافية والتاريخية.
يقال إن اسم البلدة يعود إلى والٍ عربي اسمه موسى كان لديه ممتلكات كثيرة فيها.
ومهما يكن أصل اسمها فإن هذه البلدة نالت شهرتها بسبب الموسيقي فريدريك شوبان والأديبة الفرنسية جورج ساند اللذين أمضيا شتاء 1839-1840 فيها، مما جعلها مقصد السياح.
والمفارقة أن ساند تذكر في روايتها «شتاء في مايوركا» كيف أن معاملة الناس كانت قاسية، لأنهم كانوا يخافون من مرض شوبان الرئوي ويعتقدون أنه معدٍ، فيما اليوم يفتخرون بأنهما أمضيا الشتاء في كارتوخا دو فالديموسا cartuja de valldemosa، وهي صومعة هجرها النساك عام 1835 ويضم برجها بيانو شوبان، والعديد من أغراضه الشخصية.
عام 2000 تم تدشين مركز كوستا نورث الثقافي الذي يقدم لزواره تاريخ المنطقة.
وكذلك أعيد ترميم حي القبطان نيكس، وقارب الأرشيدوق لويس سلفادور من النمسا الذي يعود إليه الفضل في تشييد شبكة طرق في البلدة.
وعلى مسافة كيلومترات شمال فالديموسا تقع كان ماريوغ أحد أقدم مراكز إقامة الأرشيدوق.
وعلى مسافة سبعة كيلومترات من الوسط، يمكن السباحة في الجون الصغير بويرتو دو فالديموسا قبل تناول الغداء في أحد مقاهي المرفأ. واللافت أن فالديموسا يقصدها الكثير من مشاهير هوليوود مثل مايكل دوغلاس وزوجته كاثرين زيتا جونز.
ديئيا Deia
تعتبر هذه البلدة معقل الفنانين، والكتّاب والموسيقيين بأجوائها البوهيمية. وهي تشبه حي مونمارتر البارسي وتجد فيها الرسامين والنحاتين والأدباء منتشرين في أزقتها، كل يقوم بعمله الفني بفخر وفي الهواء الطلق.
في هذه البلدة توفي الشاعر الإنكليزي روبرت غريفز عام 1985 ودفن فيها في مقبرة عند منحدر الهضبة.
تنتشر عند طريقها الرئيسية محترفات الفنانين ومعارض اللوحات. كما تنتشر فيها مقاهي الرصيف والنوادي.
ويضم متحف باروكيال مجموعة قيمة من الأيقونات والقطع الذهبية، ويعرض مركز الأبحاث للمتحف الأركيولوجي قطعًا أثرية نادرة وجدت في فالديموسا.
وتنتشر على ساحلها الشواطئ والمقاهي لكالا دو ديئيا التي يزدحم فيها السياح. وجدير بالذكر أن الوصول إلى هذه البلدة سهل في الحافلات التي تتوجه إليها كل اليوم.
سولير
للذهاب إلى سولير يكفي استعمال القطار المتعرّج الذي يخترق الريف عند الخروج من بالما، ليمر عبر حقول الزيتون ويصل إلى سيرا دي ترامونتانا والاستمتاع بالمشاهد البانورامية المهيبة التي تحبس الأنفاس.
تضم المدينة معالم أثرية تتميز بروعة هندستها المعمارية القديمة، وساحاتها وحدائقها المترفة. فيما النشاطات الترفيهية والحركة المتماوجة تشهدها ساحة الدستور.
ومن المعالم الفريدة كنيسة سان بارتوموليو التي تتميز بهندستها الخارجية العصرية وهندستها الداخلية القوطية.
كما يوجد ترامواي قديم يأتي من سان فرانشيسكو ليحمل الركاب نحو مرفأ سولير إلى الساحل.
خلال الموسم السياحي يزدحم المكان بالزوار، حيث توفر القوارب رحلة بحرية إلى كالوبرا وديئيا وسانت ألما وجزيرة دراغونيرا.
بين الشاطئين الرحبين لـ لا بدايا دي بولينسا وبادي دالشوديا تقع بلدة ألشوديا التي تحتفظ بآثار من الحقبة الرومانية.
رغم عمليات ترميم القلاع القديمة فإن مظهرها يبدو مصطنعًا، وداخل الأسوار تمتد المدينة الرومانية بولينا على مساحة 1200 متر مربع.
وفي ألشوديا متحف بولينسا الذي يعرض مجسمات أركيولوجية، كما يمكن لعب دور المصارع في أطلال المسرح الروماني.
ولمن يريد استنشاق الهواء النقي يمكن ركوب الدراجة الهوائية في متنزه ألبوفيرا الطبيعي الذي يسكنه دجاج الماء وطير الغرة وطير النحام الزهري والبلسون.
كويفاس ديل دراك أو مغارة التنين
تثير هذه المغارة التي يبلغ طولها 2000 متر وتضم ست بحيرات تحت الأرض، فضول السياح. تقع المغارة قرب بورتو كريستو، عند الساحل، وقد اكتُشفت عام 1896.
عند البحيرة الكبرى، تصدح الموسيقى الكلاسيكية التي يعزفها موسيقيون يقيمون في المراكب، وتنتهي زيارة هذه المغارة الخيالية بعبور البحيرة بالقارب.
أما الأطفال فإنهم يستمتعون بالمتحف البحري أكواريوم دي بورتو كريستو الموجود عند أقصى المغارة.
عادات سكان مايورك
على الرغم من الزخم السياحي للجزيرة لا يزال سكانها يحتفظون بعادة تربية اللؤلؤ الذي يباع في كل أنحاء مايوركا، غير أن الإنتاج الأفضل في ماناكور وفيلانتكس.
ولا تزال الجزيرة مشهورة بحياكة الأقمشة المزخرفة والمطرّزة «البرودري».
كما لا يزال السكان يرقصون الرقصات الشعبية مثل البوليرة والخوتا وكابيو وماتيكسيه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024