قيرغزستان: بلاد جميلة...
في الجزء الشرقي لآسيا الوسطى ثمة جمهورية صغيرة فيها من روائع الطبيعة ما جعلها غير آبهة لقلم التاريخ البشري وحبره المسطّر.
نها قيرغزستان البلاد الواقعة بين كازاخستان شمالاً، وأوزباكستان غربًا وطاجسكتان في الجنوب الغربي، لتفاخر بتقاطعها مع أسطورة طريق الحرير وببقائها خارج حدود الزمن الواقعي تهمس بين أروقتها الجبلية وفي أذن ريفها الأخضر روايات ملحمة «مناس» البطل الساكن في ذاكرة سكان البلاد الشعبية.
رغم أن قيرغزستان لم تلحظها خريطة السياحة العالمية لأنها لا تحضن روائع الهندسة الإنسانية، فإن فيها من إبداع الخالق في طبيعة هندستها ما يتحدى مخيلة عباقرة الزمان والمكان.
فجبالها الشاهقة المعشوشبة سفوحها، وريفها الذي يخيم عليه سكون أبدي يجعلان التجوال فيها مغامرة حقيقية. فبين بحيرة إسيك كول Issyk-kul وقناة ألا- أركا Ala- Archa وقمم تيان شان Tian shan يتجول هواة المغامرات سيرًا على الأقدام أو ركوبًا على الجياد يستمتعون برحلة غاب فيها الترف الإنساني الصناعي، ليعيشوا وسط ترف طبيعي صارخ.
بيشكيك
يفاخر سكان بيشكيك بعاصمتهم التي تحتوي على كم من الأشجار يفوق عدد السكان مما يميّزها عن بقية مدن آسيا الوسطى.
وبيشكيك هي المدينة الوحيدة في العالم التي إتخذت اسمها من قطعة خشب، وتعني الممخضة التي تستعمل لإنتاج الكومي أو اللبن المخمّر الذي يستخرج من حليب الفرس. ورغم أنها العاصمة فهي مدينة هادئة ذات شوارع عريضة تتراصف فيها البيوت الجميلة.
تعرّضت المدينة لقصف عنيف خلال الحرب العالمية الثانية، وخضعت كما كل البلاد الواقعة في آسيا الوسطى للسيطرة الروسية أيام حكم البلاشفة، فلا عجب ألا ترى فيها هندسة معمارية مترفة، لكن المناطق الطبيعة لا سيما سلسلة ألاتو كيرغيز Alatau kirghz التي تغطيها الثلوج على مدار السنة تجعل من بيشكك محطة استراحة قبل الخوض في ترف الطبيعة.
ألا أركا Ala Archa
على مسافة 40 كيلومترًا جنوب بيشكك يقع آلا آركا، وهو جبل رحب يمكن التجوال بين أروقته المتناثره حتى الوصول إلى القمم الجليدية على ارتفاع 4895 مترًا، والمكوث في أحد متنزّهاته.
وتعتبر أفضل طريقة للقيام بمغامرة فريدة من نوعها إحضار خيمة وطعام والمبيت في المتنزه. ويوجد في آلا أركا مركز تزلج يمكن الوصول إليه عبر التليفريك أو المصعد الهوائي الذي يستقبل ركّابه بين كانون الأوّل/ ديسمبر ونيسان/ أبريل، إلا أنه يمكن ممارسة هواية التزلج خلال الصيف ويكون الوصول إليه عبر ركوب سيارة أجرة أو حافلة.
بحيرة إيسيك كول Issyk-kul
على ارتفاع 1600 متر تمتد بحيرة إيسيك كول، تزنّرها سلسلة جبال كونجي ألاتو Kungey Alatau وترسكاي ألاتو Terskey Alatau الشاهقة الارتفاع التي يبلغ علوها 4000 متر.
تمتد البحيرة على طول 170 كيلومترًا وعرض 70 كيلومترًا مما جعلها ثانية كبرى البحيرات الجبلية في العالم بعد بحيرة تيتيكاكا في البيرو. بعد انتهاء الحقبة الروسية، أصبح الوصول إلى البحيرة متاحًا وسهلاً، وصارت مقصد السياح الباحثين عن ملاذ الراحة والاسترخاء في مناخ نقي ووسط طبيعة تحضن كل سحر آسيا الوسطى، والاستفادة من الينابيع العلاجية والمراكز الصحية.
من بين المواقع العلاجية المحيطة بالبحيرة الينابيع الحارة في ألتين أراشان Altyn Arachan الموجودة في واد فريد في جماله ويقع على ارتفاع 300 متر.
وووادي كاركارا Karkara الرحب الذي يخيم عليه السكون، ولسان كانيون جيتي أوغوز canyon de jeti -Oghuz الضارب إلى الحمرة. وعند أقصى البحيرة تقع بلدة كراكول Karakole وهي بلدة رئيسية وأفضل نقطة للإنطلاق واستكشاف ضفاف البحيرة، وترسكاي وأتالو وسنترال تيان شان.
تشتهر البلدة ببساتين التفاح وسوق الأحد الذي يعد من أجمل أسواق آسيا الوسطى، أما شوارع كراكول فتتميز ببيوتها الصغيرة المشيّدة على النمط الروسي والمزخرفة بشكل منمق يتماهى مع ألوان الطبيعة وتضاريسها، فتبدو بلدة ساكنة تعيش خارج الزمن.
تيان شان
تقع تيان شان المركز Tian shan du centre في أقصى شرق قيرغزستان، وتمتد على الحدود مع الصين وجنوب شرق كازاخستان.
تتشابك فيها مجموعة سلاسل الجبال وردية، يفوق ارتفاعها 5000 متر حيث قمة Pik Pobed أي قمة النصر يبلغ ارتفاعها 7439 مترًا، فيما قمة خان تينغري التي يبلغ ارتفاعها 6995 مترًا هي الأكثر روعة والأكثر صعوبة للوصول إليها في تيان شان، وتفصل قيرغستان عن كازاخستان.
تضم المنطقة القمم الجليدية المهيبة إينلشيك Inylchek وتعتبر مقصد هواة التركيكنغ ومركبات الجليد والتسلق.
ويوجد في المنطقة وكالات سياحة توفر للمسافرين هواة المغامرات رحلات إلى تشان تيان إما عبر الهليكوبتر أو سيارات رباعية الدفع أو سيرًا على الأقدام، كل حسب هواه.
وخلال شهري تموز/ يوليو وآب أغسطس يكون الطقس دافئًا بعض الشي، ولكن رغم ذلك على المتوجهين إلى تيان شان أن يحملوا كل ما يحميهم من البرد فالطقس متقلب حتى خلال الصيف.
قد يسأل أحدنا عن عادات سكان قيرغستان وكيف يعيشون في هذه البلاد ذات الطبيعة المترفة. تعود أصول سكان قيرغستان إلى البدو الرحل، ولا يزال القيرغيز متعلّقين بعاداتهم البدوية وتقاليدها، إذ أن أسلوب حياتهم اليومية يشبه نمط حياة أسلافهم المرتكز على إيقاع الفصول، فهم لا يزالون يستعملون الجياد في تنقلاتهم وخيام اليورت، وهي خيام دائرية يستعملونها سكنًا متنقلاً بين بقاع قيرغستان بحسب الفصول منذ القرن السادس. أما سكان الحضر فرغم أنهم يسكنون في بيوت اسمنتية فإن نمط خيام اليورت طاغ عليها.
ويعتبر الحصان جزءًا لا يتجزأ في حياة البدو لذا تجده أينما ذهبت في قيرغزستان. ومن العادات الطريفة لأهل البلاد لعبة كيز- كو Kyz-kuu أي «التقط الفتاة»، وهو سباق يضع الفتيات في مقابل الشبان، وعلى الشاب أن يصل أوًلا متفاديًا ضربات سوط الشابة، فإذا ربح يطبع قبلة على خدّها. ورغم منع هذا التقليد منذ عام 1991 لا يزال العديد من الناس يمارسونه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024