ساو باولو المدينة التي توقظ الأحاسيس...
عند ضفة ريو تييته ثمّة مدينة برازيلية تتلاعب بالحواس، إنها ساوباولو حيث إيقاع السامبا والرومبا ينافس الجاز اللاتيني فتتراقص على أنغامهما ألوان كرنفال برازيلي تتماوج فيه غبطة الحياة، لتوقظ الأحاسيس بعبق قهوة يفوح عند الصباح من حقول البن الممتدة غربًا حيث جارتها ريودي جانيرو، والمتدحرجة نحو وادي باريابا، لتتدحرج معها الخيالات إلى عالم لاتيني يسكن في أميركا الجنوبية.
تعتبر ساو باولو المدينة الثانية في البرازيل، من حيث الكثافة السكانية، وهي مركز الصناعة. ورغم ذلك فإنها مدينة سياحية تستقطب عدداً كبيراً من السياح يدفعهم فضولهم لاكتشاف أسرار وجوهها الملوّنة.
وفي التاريخ أن الأبوين اليسوعيين خوسيه أنشييتا وعمانوئيل نوبريغا هما اللذان أسسا ساوباولو عام 1554 وأطلقا عليها اسم ساو باولو دوس كامبوس ديه بيرتينغا وكانت مساحتها في ذاك الوقت70 كيلومتراً مربعاً. لتتسع وتكبر مع اكتشاف زراعة البن وتتحول ساوباولو ثاني مدينة في البرازيل.
المدينة العتيقة
تشكل المدينة العتيقة راهناً فناءً مشبّعاً بالهواء يعانق الأبنية البيضاء المحتشدة. تضم المدينة متحف لا كاز دو أنشييتا الذي يروي تاريخ تأسيس ساوباولو ويعرض تذكارات تعكس يوميات المدينة منذ أن كانت مستعمرة حتى منتصف القرن التاسع عشر.
وفي ساوباولو العتيقة اجتمعت مدن من القارات الخمس في أحياء حضنت أنماط حياتها اليومية وتقاليدها الفريدة. فحي ليبرداديه لا يزال يحتفظ بأصوله اليابانية ويبدو ذلك واضحاً في اللافتات التي كتبت باليابانية، فهنا تجد المطاعم اليابانية تقدّم أطباقها التقليدية ومتاجر تعرض تذكارات من الشرق الأقصى وبعضها يبيع الأحجار نصف الكريمة، وأخرى تعرض الملابس اليابانية التقليدية. من الطريف أن تترك اليابان لتسافر في غضون دقائق إلى أوروبا حيث حي بيكسيغا الإيطالي،الذي يشعر المتجوّل فيه بأن إيطاليا انتقلت إلى هنا.
فمنذ بدايات القرن العشرين استقر المهاجرون الطليان في بايرو دو بيسيغا الواقعة جنوب غربي براسا دا سيه وأعطوه اسم "إيطاليا الصغيرة"، كما يعرف باسم بيللا فيستا.
وقد شيّد البناؤون الكاليبريون بيوتهم في الشوارع الضيّقة فجاءت على نمط الفن الإيطالي لعصر النهضة. ويضم شارع رويا دوس إنغليزس 118 متحف ميموريا دو بيكسيغا الذي يروي تاريخ بايرو في صور وقطع منزلية كان يستعملها سكان الحي.
تجد في هذا الشارع المقاهي الإيطالية التي تفوح منها روائح البيتزا الشهية وتصدح في أجواء ليله الموسيقى المنبعثة من النوادي الليلة التي لا تنام حتى ساعات الفجر الأولى. ومن أوروبا تنتقل إلى لبنان حيث حي بوم ريتيرو الذي يضم آثاراً عربية ولبنانية تحديداً، فهنا تجد رواد المقاهي ذوي الأصول اللبنانية يحتسون قهوتهم بهدوء، فكأن رشف القهوة البرازيلية المحضّرة على الطريقة اللبنانية يوقظ لا وعيهم التوّاق إلى بلدهم الذي عرفوه من أجدادهم. أثناء التجوال فيه تظن أنك في أحد الأحياء اللبنانية بكل مقاييسها.
تضم ساوباولو أكبر حديقة حيوانات في العالم، وتقع في متنزّه إيستادويال داس فونتاس دو إبيرانغ، وتحتوي على 3500 نوع من الحيوانات إضافة إلى طيور استوائية ترفرف بحرية في الهواء الطلق.
يعتبر التسوّق في ساوباولو فناً برازيلياً بامتياز. فالمتاجر تفتح أبوابها من الساعة التاسعة صباحاً حتى العاشرة مساءً مما يعطي فرصة لمن كانت زيارته قصيرة لساوباولو للتسوّق براحة دون النظر إلى عقارب الساعة.
وتقع شوارع التسوّق الرئيسة في مركز المدينة بالقرب من براسا دا ريبابليكا حيث تمتد من أفينيدا إيبيرانغا شوارع باراو وشارع ماياو 24 وشارع أروتسيه وبينهما شارع دوم خوسيه دو باروس. وجميع المتاجر في هذه الشوارع هي بوتيكات للأزياء.
الموسيقى جزء لا يتجزء من أمسيات ساو باولو
تنفرد ساوباولو بتقليد موسيقى الجاز التي تأخذك إلى عالم برازيلي ساحر. فالجاز هنا لا يشبه الجاز الأميركي الذي ابتدعه الأفارقة الذين هاجروا إلى العالم الجديد في بداية القرن العشرين ليعبّروا عن أحزانهم، بل هو جاز ذو نكهة لاتينية يحمل الكثير من الفرح الذي يشبه كرنفال البرازيل.
فشارعا بوربون و دوس شانيه 127 يعتبران ملاذاً لهواة الموسيقى، حيث يستمتعون بالبرامج الموسيقية الممتدة على مدار الأسبوع، وتصدح الموسيقى حتى ساعات متقدمة من الليل.
وفي ييكسيغا يقدّم مقهى بيوبيو الواقع في شارع 13 عرضاً موسيقياً، وتختلط في جادة مياو 134 موسيقى الجاز والكورو والروك والكاونتري مما يجعل السهر في هذين الشارعين متعة تشغل الحواس حتى بزوغ الفجر.
هكذا هي ساوباولو مدينة جمعت تحت سمائها أناساً من كل بقاع الأرض جاؤوا من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، فلا عجب أن تبدّل وجوهها مع تبدّل الليل والنهار، لتسحر من يزورها بمتاهة برازيلية سمراء.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024