برشلونة (أسبانيا)
يخيّل لنا أحيانًا أن الهروب من ضجيج المدن ، يعني أننا نبحث عن الاسترخاء في أقصى حدوده. ولكن يحدث أحيانًا أننا نتوق إلى العودة إلى مدن تلهب مخيلتنا لنعيد اكتشافها، وكأنها المرّة الأولى التي نزورها، فنقع أسرى حركتها ونتوه في أروقة عوالمها لتتكشّف لنا وجوه لم نلمحها في المرات السابقة، فنحدّق إليها وننقب في حفريات ذاكرتها لنحشد في حقيبة أسفارنا صورًا لمدن تخرق قانون الأبعاد الثلاثية وتجعلنا نعيش خارج الزمان والمكان، فنعيد ترتيبها في ألبوم ذاكرتنا لنفاجأ بأننا عرفنا شيئًا عنها وغابت عنا أشياء، مما يحملنا على توضيب حقيبة السفر إليها. وفي العالم مدن رغم أنها تعرف بـ"كليشيه" الوجهات السياحية فإن في كواليسها ما يجعل تكرار زيارتها محاولة لإشباع فضول التعرّف إليها أكثر.
عند موقع فريد في الشمال الشرقي لساحل شبه جزيرة أيبيريا، وبين لازودرية البحر الأبيض المتوسط وخضرة جبل تبيدابو، تقبع برشلونة ثانية كبرى مدن إسبانيا، و إحدى أكثر مدن العالم حيوية في كل المجالات، إن في الأزياء أو الموسيقى أوالمطبخ أوالفنون التشكيلية.
رغم أن برشلونة تضج بالأحداث والمهرجانات على مدار السنة، فإن فصل الصيف يحوّلها إلى مدينة لا تنام حتى ساعات الفجر الأولى.
عندئذٍ يحتضن الأفق المتوهّج حمرة المدينة برمتّها فتنشغل حواس الزائر بتمازج فوران رقص الفلامنكو وقهقهات صنوج الخشب وبحة صوت غجري حزين تعلو وتيرته بصرخة "أولي".إنها مخبأ أعمال بيكاسو وميرو ومدينة غاودي عبقري الهندسة المعمارية الذي جمع بين التجريد والشغف بالطبيعة، فأخرجت أنامله معالم معمارية ضخمة رائعة.
وفي الأحياء القديمة لبرشلونة تعرض الحوانيت التذكارات والتحف الفنية وتتدلى من أسقفها الفساتين المزركشة تتماوج بحركات راقصة تنافس حركة الفنانين الذين اتخذوا من ساحات الأحياء مسرحاً لاستعراض ما تجود به إبداعاتهم. وتتحول رائحة الطعام اللذيذ التي تفوح من المطاعم إلى هوى من نوع خاص يستهلك حواسك كلها، فتبحث عن حاسة أخرى تعيش خارج الزمان والمكان.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024