بين فرنسا وألمانيا وهولندا ... بلجيكا
بين فرنسا وألمانيا وهولندا تقبع بلجيكا التي تغيب عن شمالها التضاريس مستحضرة أغنية جاك برل Plat pays أو «البلاد المسطّحة»، وهي تتنفس غربًا ريح بحر الشمال الذي رغم المحطات البحرية المشيدة من الإسمنت والممتدة على مسافة 65 كيلومترًا من ساحله لا يزال بعض الشواطئ يتلاعب ريح بحر الشمال بكثبانها اللؤلؤية. فيما تسيطر عند جنوب شرقها المرتفعات الشاهقة لسلسلة جبال Ardennes آردن المهيبة.
يستحيل على زائر بلجيكا ألا يخضع لسحرها فيحار في أي مدينة يجول، فكل مدنها هي مدن فن. بروج Bruges وغان Gand تستعرضان بأبهة الهندسة المعمارية الفلمنكية لعصر النهضة التي ترمز إلى الغنى التاريخي لبلجيكا، وفي بروكسل عاصمتها وعاصمة الاتحاد الأوروبي يجتمع أكبر عدد من المنظمات الدولية أهمها منظمة حلف شمال الأطلسي Nato.
العاصمة
كثيرًا ما كنت أسمع وأنا صغيرة حكايات عن بروكسل وجمالها من خالي الذي كان يدرس الطب في جامعة Universite Libre de Bruxelles. ففي كل سنة كنت أنتظر بفارغ الصبر قصص الشرائط المصوّرة تانتان وميلو Tintin & Milou وعلبة الشوكولاته التي يحملها وكأنها صندوق فرجة يضمّ مع كل حبة صورة ملوّنه أطبعها في ذاكرتي.
في التاريخ أن أصل بر وكسل يعود إلى القرن العاشر، حين أتى إليها شارل، دوق باس- لوزارينجي Basse- Lotharingie وبنى قصرًا صغيرًا في جزيرة سانت جيري St.Gery العائمة على مستنقع. ومنذ ذلك الوقت أطلق على المكان الذي يعرف اليوم ببروكسل اسم برويوسيللا Bruoscella ، ويعني باللغة الإيرلندية بيت المستنقعات.
تبدو بروكسل اليوم مدينة عالمية. فأينما تجوّلت في شوارعها تسمع الثرثرات بلغات العالم ترافق أذنيك، وزحمة الوجوه ذات البشرة المتعددة الألوان ترسم لوحة فسيفسائية. وهذا ليس غريبًا، فسكان بروكسل ثلثهم من العرب المسلمين والموظفين الديبلوماسيين ورجال الأعمال من مختلف الجنسيات الأوروبية والأميركية والآسيوية. لذا فإضافة إلى اللغتين الفرنسية والهولندية يتقن سكان بروكسل اللغة الإنكليزية.
يعكس شارع بيتيت رو دو بروكسل Petite Rue de Bruxelle روح المدينة المضيافة، وهو حائز شهرة عالمية بسبب طابعه الفريد. إذ حوّل سكّان هذا الحي بيوتهم العتيقة إلى مطاعم رصيف يقدّمون فيها ما لذّ وطاب من المأكولات البحرية، يعرضونها على المتجوّلين في الهواء الطلق دون خوف من التلوّث، فعبور السيارات ممنوع في هذا الشارع.
كيفما تجوّلت في بروكسل تبهرك روائع الفن الحديث. ولا شكّ في أن قصر شارل دو لورين واحد من المعالم الأثرية الذي يحتضن روائع الفن الانطباعي والسريالي يعرضها في قاعاته السفلى تحت الأرض.
واللافت أن هذه القاعات تضم أعمالاً لأساطين الفن أمثال ميرو ودالي وبولتانسكي وبيكاسو. أما هواة الفن السريالي فيجدون في بروكسل مكانهم ليس بسبب الجو الفني الذي يطغى على المدينة بل بفضل الأعمال الباهرة لـ دلفو Delvaux ومارغريت، المعروضة في متحف الفنون الجميلة.وفي شارع سابل Sables تبهرك رسوم الشرائط المصوّرة التي زينت جدران المتاجر القديمة، خطتها يدا الفنان هورتا بإتقان، مما يجعلك تشعر بأنك وسط إحدى صفحات الكتب. متعة التسوّق في بروكسل لا تنسى. فمتاجر شارع أنطوان دانسيرت تتضمن أجمل ما ابتدعه المصممون البلجيكيون، وتبهرك واجهات غاليري سانت هوبير بما تعرضه من بضائع، لا سيما السجاد والتحف القديمة مما يثير فيك رغبة الشراء من دون التفكير في عاقبة نفاد نقودك.
بروج Bruges
تعتبر بروج متحفًا سقفه الفضاء وجدرانه الزمن تسمّر في مكانه منذ القرن الثالث عشر، بسبب تراكم رمال نهر بروج.
إنها المدينة التي عرفت كيف تحافظ على إرثها التاريخي القروسطي، فلا عجب أن تكون أكثر مدن بلجيكا التي يقصدها السياح. فعلاوة عن وجود ساحتين رائعتين وهما ماركت Markt أو الساحة الكبرى وبورغ، تضم المدينة مجموعة من الأعمال الفنية الأجمل في البلاد. فهناك متحف غرونينغ الذي يعرض الأعمال الفنية البدائية الفلمنكية، وفندق المدينة Stadhuis الذي يعود إلى القرن الرابع عشر ويضم مجموعة رائعة من اللوحات والأثاث الفاخر.
أما في وسط المدينة فيمكن السياح ذوو القلوب الجريئة الاستمتاع بمشهد بانورامي فريد للمدينة على ارتفاع 366 قدم عند بفروا Beffroi. ويمكن الوصول إلى بروج بالقطار الذي يعبر من بروكسل أو أنفرس (أنتورب).
غان Gand
كانت غان واحدة من أكبر مدن أوروبا خلال القرون الوسطى. وتقع عند نقطة التقاء أيسكو Escaut وليس Lys. وكانت في الماضي مسرح الثورة الدموية التي قامت اعتراضًا على الضرائب وتقليص النفقات التي فُرضت على سكان المدينة. تتميز غان بأسوارها الرمادية التي تزداد دكنًا مع مرور الزمن. وتضم كاتدرائية Sint-Baafskathedral تحفة أعمال جان فان أيك Agneau Mystique.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024