نيويورك .. المدينة الأميركية
نيويورك، نيويورك
أن أستيقظ في مدينة لا تنام
وأجد نفسي الرقم واحد
في أعلى اللائحة
ملك القمة
الرقم واحد
وإذا كان في مقدوري تحقيق ذلك هنا
سوف أقوم بذلك في كل مكان
الأمر يعود إليك
نيويورك، نيويورك...
أغنية «نيويورك، نيويورك» لـ ليزا مانيللي
نيويورك هذه المدينة الأميركية التي لا تنام كما تقول الأغنية، لا تشبه نيويورك القرن التاسع عشر التي صوّرتها عدسة مارتن سكورسيزي في أحداث فيلم «Gangs of New York». لكن المشهد الأخير الذي يُخرج من رمادية الدمار مدينة تخترق أضواء أبراجها الشاهقة الضباب الخريفي محاولة معانقة السماء، ربما تعمّده المخرج. فالحلم الأميركي الذي أبحر إليه المهاجرون من كل أصقاع الأرض، بعضهم بإرادته وبعضهم رغمًا عنه، تحقّق على أرض مدينة تعشق الحرّية تلقّب بـ«التفّاحة الكبيرة».
ومهما يكن من صوَر هوليوودية وروايات تاريخية وأحداث سياسية، ومهما كُتب من شعر وأغنيات، فمما لا شك فيه أن نيويورك تعرف كيف تُدخل زائرها في لعبة الوقت ليضيع وسط عالمها الساحر الذي تحتشد فيه الأحلام عند بوابة الانتظار إلى أن يحين موعدها، والانتظار في نيويورك ليس طويلاً.
فهي مدينة لا تشبه أي مدينة أخرى في العالم، ليلها يشبه نهارها، وكأني بسكانها في سباق أزلي مع الزمن الذي لا يبالي بمن يتخلّى عن أحلامه نيويورك عاصمة العالم الاقتصادية وقلبه النابض بالفن بكل أنواعه تقع شرق الولايات المتحدّة الأميركية، وعند مصب نهر هادسون في المحيط الأطلسي، وسط المسافة بين مدينتي واشنطن وبوسطن، وتطفو في بحيراتها الجزر وأهمها جزيرة مانهاتن.
ولعلّ موقعها الجغرافي المشرف على المحيط الكبير والمساحات الخضراء الرحبة جعلها مدينة تعشق الحرّية كما طير النورس الذي يتباهى بتحليقه في فضائها وكأنه يراقب حركة المدينة التي تنداح كما أمواج المحيط.
وللحرية في نيويورك رمز يقف متجسدًا في تمثال الحرّية الذي أهداه الفرنسيون عام ١٨٨ إلى سكّان نيويورك، ومنذ ذلك الوقت يقف هذا التمثال في «جزيرة الحرّية» جنوب مانهاتن وهو من أعمال النحّات الفرنسي فريدريك أوغوست بارتولدي.
وفي التاريخ، أنه بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية التي استمرّت أربع سنوات بين عامي ١٨٦١ و١٨٦٥ والتي أنهت نظام العبودية، كتب بارتولدي إلى المؤرخ والسياسي الأميركي إدوارد ليفيفير ذي لابولاي مؤلف كتابي «من باريس إلى أميركا» و«أساطير» قائلاً: «سوف أحارب من أجل الحرّية، وأنادي باسمها الشعوب الحرّة، وأبذل جهدي لتمجيد الجمهورية هناك، في انتظار أن أجدها يومًا عندنا».
فكان تمثال الحرية المنحوت من البرونز والذي حمل في الأصل عبارة «الحرية تضيء العالم». وزوّار نيويورك لا يمكن أن يفوّتوا مغامرة الصعود إلى هذا التمثال، بعضهم يقف عند الشعلة التي يرفعها وآخرون يدورون في حضن إكليلها للاستمتاع بمشهد عزّ نظيره في العالم. والتجوال في نيويورك سيرًا على القدمين أو التنقّل بسيارة التاكسي أو عبر مترو الأنفاق يتيح فرصة الدخول في لعبة هوليودية، فتتخيّل نفسك جزءًا من فيلم «قصة الحي الغربي» الغنائي، أو تتقمّص دور روبرت دينيرو في فيلم «سائق التاكسي» Taxi driver وتتعرف إلى وجوه المدينة الليلية... أو تبحث عن المبنى الذي يسكن فيه أبطال الست كوم «الأصدقاء»، أو «ساينفيلد» أو تدخل في مغامرة بوليسية ل NYPD .وعندما تعرف سبب كون نيويورك مسرح التصوير السينمائي والتلفزيوني ، يبطل العجب. فناطحات السحاب العملاقة التي جاءت هندستها المعمارية قطعة فنية تخترق السحب وتقف عند أقدامها أحياء صغيرة تعكس كل أنماط الحياة في العالم، جعلت المدينة استوديو كبيرًا تلتقطه عدسة هوليوود بواقعية شديدة، ليس فيها «رتوش»، وما عليك إلا أن تجول وتصول فيها.
إمباير ستيت بيلدينغ
يقع هذا المبنى في ركن فيفث أفنيو في شارع ٤٣ وهو رمز الحجر السماوي النيويوركي. شُيّد إمباير ستيت بيلدينغ خلال الأزمة الكبرى عام ١٩٢٩ خلال ٤١٠ أيام، يبلغ ارتفاعه ٤٤٣ مترًا ويضم ١٠٢ طبقة. ويطلّ برج المراقبة في طبقته الأخيرة على مشهد ساحر للمدينة، ويفضّل الصعود إليه إما صباحًا أو مساءً لتفادي انتظار دورك الذي قد يطول.
سنترال بارك
في قلب مانهاتن يمتد سنترال بارك، ويعرف برئة المدينة، الذي تبلغ مساحته ٣٤١ هكتارًا. في هذا المتنزّه يجد سكّان نيويورك وزوّارها متنفسًا للراحة. فهنا تقام المهرجانات الموسيقية الكبرى، وحفلات الشواء العائلية، وبعضهم يختار المتنزّه للاسترخاء والاكتفاء بالاستلقاء وسط الأخضر غير آبه بصخب نيويورك وازدحامها.
جسر بروكلين
التنزّه على طول نهر هادسون في ساوث ستريت سي بورت متعة حقيقية تتيح مشهدًا بانوراميًا لجسري بروكلين ومانهاتن خصوصًا في لحظات الغروب. شُيد جسر بروكلين عام ١٨٨٣ ويعتبره البعض أجمل جسر في العالم، فهو أول جسر في التاريخ عُلّق بكابلات الفولاذ. يجدر بالزائر أن يعبره سيرًا على القدمين ليستمتع بمشهد رائع لاسيما من المعبر المنطلق من سيتي هول حيث تبدو منطقة مانهاتن الدنيا لوحة فريدة تضج بالألوان الطبيعية. ففي هذا الحي تحتشد المراكز السياسية والتجارية والقضائية.
راديو سيتي ميوزيك هول
شُيد راديو سيتي ميوزيك هول عام ١٩٤٢ ويقع في غرب ميدتاون في شارع ٥١ عند أعلى الجادة السادسة. وتم تجديد دار السينما فيه بشكل فني رائع مع مقاعد مصنوعة من المخمل تتسع لـ ٦٠٠ شخص. وتقدم في هذا المركز الحفلات الغنائية الكبرى و العروض المسرحية التي تقدّمها فرقة الرقص «روكيت»، واللافت أن بطاقات الدخول التي يصل سعرها إلى ٧٠ دولارًا أميركيًا تنفد بسرعة.يعتبر التسوّق امتيازًا خاصًا تمنحه نيويورك لزائريها الذين يفضّلون الدخول في متاهته سيرًا على القدمين.
ففي شرق ميد تاون في شارع ٥٩ عند أعلى فيرست أفنيو يقع بريدج ماركت الذي كان في الماضي سوقًا للخضار، وبعد عقود من الترميم استطاع عرّاب الموضة تيرنس كونران أن يعيد الحيوية إليه عام ١٩٩٩ ليتحوّل إلى شارع يغص بالبوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء العالمية والمطاعم الراقية التي تجاور متجر كونران شوب.
فضلاً عن مطعم غواستافينوز القديم الذي أصبح اليوم مخصصًا للمناسبات الخاصة.ويعتبر شارع ٩ في إيست فيلدج مهد مصممي الأزياء الشباب أمثال سوهو حيث تحتشد البوتيكات التي تعرض ابتكاراتهم في ماديسون أفينيو، بينما البوتيكات التي تعرض للأزياء الراقية والمجوهرات موجودة في شارع فيفث أفنيو.أما من يريد تجهيز بيته بالأثاث فإن مركز ABC كاربت أند هوم يعتبر متحفًا لمصممي الهندسة الداخلية والديكور، ففي طبقاته الست يعرض الأثاث بمختلف الأساليب الهندسية، إضافة إلى السجاد والأكسسوارت المنزلية والأنتيك، ويقع في يونيون سكوير شارع ١٤.
بعد أن تُخرجك نيويورك من لعبة التسوّق التي تبرع فيها خصوصًا بعد أن أصبحت العاصمة الثالثة للموضة بعد باريس ولندن، تُدخلك في لعبة الموسيقى لا سيّما الجاز الذي تجيد اللعب على إيقاعاته وأنماطه، فهي العاصمة العالمية لموسيقى الجاز منذ ثلاثينات القرن العشرين، رغم أن أنغامه صدحت للمرة الأولى في مدينة نيو أرولينز.
ويعتبر حي هارلم معقل الجاز حيث يوجد شارع سوينغ (وسوينغ أحد أنواع الجاز) الذي يعرف اليوم بشارع ٥٢، وسمي كذلك تكريمًا للموسيقيين الذين كانوا يأتون للعزف في النوادي الليلة المنتشرة في هذا الشارع علّهم يأخذون قسطهم من الحلم النيويوركي، فأبدعوا وابتكروا أنماطًا من الجاز مثل البلوز والراغتايم والسوينغ والووغي بوغي والجاز اللاتيني، والسول... ليصبحوا أسياد الجاز مثل لويس أمسترونغ و كينغ أوليفر وغيرهما.
هكذا هي نيويورك، مدينة تعرف كيف تحقق الأحلام الصغيرة قبل الكبيرة، تخرجك من كواليس الحياة لتصير جزءًا من مسرحها، كما موسيقى الجاز التي تتحاور فيها النوتات بعبثية متناغمة تخرج أنغامًا لا تملّها مهما حاول الشيب اجتياح ساعات الزمن وتجعدّت دقائقه... هي مدينة تعرف كيف تُبقي ناسها يذوبون في حركتها اللامتناهية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024