بالصور- هي البلاد العائمة... خمنوا عن أي بلد نتكلّم
سريلانكا هذه البلاد العائمة في المحيط الهندي، يقال عنها إنها قطرة ماء سقطت من الهند، فكيف للماء أن يبحر في الماء! ولكن عند النظر إلى الخريطة الجغرافية تجد أنها فعلاً تشبه قطرة ماء انفلتت من التكوّن الجغرافي لجارتها الهند ليفصل بينهما مضيق يُسلك.
وسريلانكا التي كانت تُعرف قديمًا بمملكة سيلان، جزيرة يحتشد فيها كل الجمال الطبيعي الذي يحضن مدنًا عتيقة تضمّ معالم أثرية تعود إلى آلاف السنين وتقف ببهاء بجوار معالم ذات هندسة معمارية خلّفها المستعمرون الهنود والبرتغاليون والإنكليز.
تمتد على طول البلاد شواطئ رملية، وتقف جبال متّشحة بالأخضر، وينابيع ماء متفجّرة من أحشاء الأرض المنبثقة من جوف المحيط الهندي. فلا عجب أن تدهش سريلانكا الرحالة الإيطالي ابن البندقية ماركو بولو الذي قال عنها «إنها واحدة من أجمل الجزر في العالم».
كولومبو
يُسند اسم كولومبو عاصمة سريلانكا الاقتصادية إلى البرتغاليين الذين وصلوا إلى الجزيرة عام ١٥٠٥ ، ويقال إنه أُشتق من اسم المكان كولون توتا ويعني مرفأ على نهر كيلاني، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إنه اشتّق من الاسم السنغالي كولا أمبا توتا ويعني مرفأ المانغا، حرّفه البرتغاليون تكريمًا للرحالة كريستوف كولومبوس، وأطلقوا على المكان اسم كولومبو.
ومهما يكن من تكهّنات لأصل اسم كولومبو، فمما لاشك فيه أن المدينة تستفيد من موقعها الإستراتيجي على الدروب البحرية للبواخر التجارية بين أوروبا والشرق الأوسط من جهة وآسيا من جهة أخرى. كانت العاصمة الإدارية والسياسية في عهد البريطانيين بين عامي ١٨١٥ و ١٩٤٨ ، وخلال العقود الثلاثة الأولى التي تلت استقلال سريلانكا. وهي اليوم مركز النشاط الاقتصادي للبلاد. وتعتبر منطقة فورت التي تعود إلى حقبتي البرتغاليين والهولنديين مركز المدينة الأكثر جذبًا إذ تحتشد فيه الفنادق الفخمة والبوتيكات الراقية والمصارف والمقاهي ووكالات السفر، والباعة الجوّالون. وفيها برج الساعة، وكان منارة قديمة، ومقر الإقامة الرئاسية، وبوذا جاياتي وهو مجسّم عملاق يقف على موتدة تطفو على الماء.
وقرب فورت يقع بازار يضج بالحركة ويضم أماكن عبادة هندوسية وإسلامية وكنيسة فولفيند الهولندية التي شُيدت عام ١٧٤٩ ومتحف الحقبة الهولندية. وفي كولومبو الدائرة ٧ يقع حي سينامون غادرنز الراقي الذي تنتشر في شوارعه الأنيقة مساكن الأغنياء وكان في الماضي حقلاً لزراعة القرفة. أما متنزّه فيهاراماهاديفي الأكبر في كولومبو فهو مشهور بشجره المزهر من آذار/ مارس حتى أيار/ مايو من كل عام، ويضم المتنزه أيضًا حديقة حيوانات.
كاندي
قاومت مملكة كاندي كما كانت تعرف قديمًا الاحتلال الأوروبي على مدى ٣٠٠ عام، إذ أن موقعها الطبيعي الذي يحبس الأنفاس جعلها محط أنظار الأوروبيين فدفعت ثمن جمالها باهظًا. وهي اليوم نواة الحياة الروحية والثقافية للبلاد. تشتهر كاندي بمناخها الجبلي مما يجعلها مقصد الباحثين عن الهواء النقي خصوصًا خلال شهر تموّز/ يوليو، إذ تجتاح أمسيات أروقة الجبال خلال عشرة أيام قوافل الفيَلة التي يمتطيها السيّاح والسكان خلال عشرة أيام يستبقون اكتمال القمر بدرًا، فيعيشون مغامرة فريدة لا يعرف أسرار طقوسها سوى سكان المدينة. أما التنزّه على ضفاف بحيرتها الصناعية فهو تجربة لا بد منها، حيث يوجد معبد دانت الذي يضم رفات الكهنة البوذيين وهو الأهم في سريلانكا.
المتنزّه الوطني ياللا ويست (روحانا)
يعتبر متنزه روحانا المكان الأكثر جذبًا للسياح، فهو يمتد على مساحة ٩٩٦ كيلومترًا مربّعًا. وهو مجموعة من غابات العلّيق والسهول والبحيرات المالحة و المنحدرات الصخرية، ورغم أنه اشتهر بفيلته يضم قطعانًا مختلفة من الدببة والفهود والتماسيح والجواميس الهندية ومئات الأنواع من الطيور. كل هذا يجعل زيارته مغامرة في قلب الأدغال تتنبّه خلالها الحواس إلى كل تفصيل لحركة الطبيعة وعناصرها، لا سيّما ساعة الغروب حين تتآمر شمس المغيب بخيوطها الأرجوانية المتدلية من الأفق الأزرق وخضرة المكان وسكونه على البصر فيغوص في مشهد عز نظيره.
قمة آدم
يقول البعض إنه على هذه القمة وطأت قدما أب البشرية آدم الأرض لأوّل مرة بعد طرده من ملكُوت السماوات، وبالنسبة إلى البعض هو سري براد أي البصمة المقدّسة، أو سامانلاكاند أي جبل الفراشات. وبعضهم يقول إن البصمة الواسعة الموجودة عند قمة آدم تعود لبوذا. ومهما يكن من أساطير تحكى عن هذا الموقع الجبلي فإنه يأخذك إلى عالم يصعب على الواحد منّا الكتابة عن جماله الطبيعي المغلف بروحانية جعلته مكانًا للحجاج يقصدونه منذ أكثر من ألف عام بين شهري ديسمبر/ كانون الأول وأبريل/ نيسان، فيتسلقون القمة خطوة خطوة، يرافقهم توالي الأنوار وهم يزحفون عند خاصرة الجبل.
القرية البيئية رانويلي
بفضل موقعها الجغرافي بين غابات المانغا وأنهر المنعطفات والبحر، تتمتع رانويلي بمناخ مثالي، فهي المكان الذي يحلم به الكثيرون منّا للغوص في تأمل تفاصيل البوذية.
شّيدت القرية بكاملها من مواد محليّة، فجاءت هندستها على شكل القرى السريلانكية التقليدية، لتشكل مكانًا للسكينة لا يسمع فيه سوى أناشيد الطيور وتلاعب الأمواج فتدخل في لعبة إيقاع الطبيعة بكل حواسك.
تتكوّن القرية من ٧٢ منزلاً ريفيًا بنيت في مزرعة جوز هند قديمة صمدت فيها غالبية الأشجار. تشرف القرية على البحر وهناك ١٢ منزلاً على ضفاف النهر. وتتميز كل المساكن بهندسة داخلية جميلة تزينها أعمال الحرفيين المحليين.
الكلام على سريلانكا قد يحتاج إلى صفحات، ولكن يكفي أن تقصد هذه البلاد الساكنة في وسط المحيط لتنعم بعالم من الاسترخاء وترتشف كوب شاي سيلاني ينسيك كل متاعب الحياة العصرية، فتعيش تجربة في فردوس أرضي يسكن في الجزء الآخر من العالم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024