لوكسمبورغ
لوكسمبورغ. بلد صغير، بالكاد تلاحظه على الخريطة ، وغالبًا ما يختلط الأمر على الكثير منا فنظن أنه مقاطعة إما فرنسية أو ألمانية أو بلجيكية. ولعلّ عاصمته التي تحمل الاسم نفسه تزيدنا التباسًا خصوصًا أنها من أكثر المدن الأوروبية شهرة. ومهما يكن فإن لوكسمبورغ بلد يحمل في كل خطوة من مساحته الصغيرة التي لا تتعدى الـ 2586 كيلومترًا مربعًا كل التاريخ الأوروبي بأمجاده وانتكاساته وثقافته ولغاته. تقع لوكسمبورغ عند نقطة التقاء العالمين الروماني والجرماني و تعرف باسم جبل طارق في الشمال الأوروبي. تحيطها من الجهات الأربع فرنسا وألمانيا وبلجيكا.
لوكسمبورغ العاصمة
يطلق سكان لوكسمبورغ على عاصمتهم اسم الستاد نظرًا إلى أنها من أصغر العواصم الأوروبية من حيث المساحة وعدد السكان الذين يبلغون 80 ألف نسمة. ورغم أنها كوزموبوليتانية تجمع تحت فضائها اللغتين الألمانية والفرنسية ولغة هواها اللوكسمبورغية، فهي مدينة تحضن السحر الطبيعي المتآمر مع الفن المعماري، ليشكّلا معًا شخصية عاصمة لا تشبه ما هو معلوم عن عواصم العالم التي يقضم إيقاع الحياة السريع فيها العلاقات الإنسانية الحميمة.
تساهم الأعداد الكبيرة للغرباء الذين يعيشون في لوكسمبورغ في جعلها مدينة ديناميكية تضج بالحركة، لتكون عاصمة متعددة الثقافات والتقاليد. إنها مدينة روبرت شومان أحد مؤسسي الاتحاد الأوروبي، الذي بدأت خطوات تأسيسه عام 1950 من القرن الماضي.
أسس لوكسمبورغ عام 963 الكونت سيجيفور حين بنى قصرًا على صخرة بوك. وهكذا ظهر للمرة الأولى اسم «لوسيلينبورهوك» Lucilinburhuc أو القصر الصغير.
يقال عن لوكسمبورغ إنها مدينة الجسور، إذ تضم 110 جسور تخترق أودية وأخوارًا تنساب مياهها بين أحياء المدينة. يدعوك وسطها إلى اكتشاف وجوه المدينة الثقافية التي تزينها مساحات خضراء تمتد من وادي بيتروس والمتنزهات العامة لتوفر أوقاتًا من الاسترخاء الطبيعي والثقافي.تقسم لوكسمبورغ قسمين: المدينة العليا وتنبسط على سفح صخري يقف عليه قصر غراند دوكال بواجهته الفريدة التي تعكس فن عصر النهضة الأسباني، تجاوره كاتدرائية نوتر دام التي تعود إلى القرن السابع عشر وتنتشر حولهما البيوت العتيقة التي تحتفظ بالطابع الخاص للمدينة. يسوّر المدينة العليا جنوبًا وادي بيتروس وغربًا وشمالا وادي آلزيت حيث تقبع ثلاث مدن وهي غروند وكلوزن وبفافينتال.
يسمح صغر مساحة لوكسمبورغ بالتجوال فيها سيرًا على القدمين وكأنها ترغب في أن تجعل حواسك متأهبة لإدراك كل ما تحتضنه من سحر طبيعي. فمن وسط المدينة تتابع مسارك في شارع فينزل Wenzel لتصل إلى سفح رام حيث يوجد برج جاكوب الذي كان بوابة المدينة عام 1590 تجاوره ثكنات عسكرية تعود إلى عهد فوبان، ترميك فجأة وسط عالم العصور الوسطى في حي غروند الفريد من نوعه ببيوته التي تعكس نمط الهندسة المعمارية لتلك العصور وهي تستريح عند حدود وادي آلزيت.
ومن عالم التاريخ الوسيط وعصر النهضة تنتقل إلى منطقة كيرش بيرغ في الشمال الشرقي حيث تراقب قلعة تونغين Thungen التاريخية مبان ثقافية ومراكز مالية وإدارية، يغلب على هندستها المعمارية النمط العصري متناغمًا مع الهندسة المعمارية النيوكلاسيكية للمباني القديمة.
تعكس لوكسمبورغ ملتقى الثقافة الفرنسية والألمانية بكل وجوهها، حتى المطبخ اللوكسمبورغي يجمع بين هاتين الثقافتين بطريقة فريدة. فمقاهي لوكسمبورغ لا سيما تلك المنتشرة في المناطق العتيقة تفوح بما لذّ وطاب من الأطباق التي يقول عنها اللوكسمبورغيون «النوعية فرنسية والكمية ألمانية».
تشتهر لوكسمبورغ بأنها من أغنى المدن الأوروبية. فنمط الحياة فيها واحتضانها لنخبة المجتمع الأوروبي بكل أعراقه جعلاها مدينة التسوّق بامتياز. ففي المدينة العتيقة حيث يمكن أن تصول وتجول فيها على قدميك من دون أن تشعر بالتعب، تدعوك البوتيكات إلى إشباع نهمك في التسوق من أشهر دور الأزياء العالمية بأسعار مقبولة مقارنة بغيرها من المدن الأوروبية المشهورة بأنها عواصم الموضة، فضلا عن متاجر التذكارات والتحف وأكسسوار البيوت.
لا تكتفي لوكسمبورغ بإشباع المعدة ونهم التسوّق بل تأخذك إلى عالم فني فريد، فهي مدينة تشتهر بالحفلات الموسيقية والمسارح والفن التشكيلي. كل هذا يجعل زائر العاصمة الصغيرة يشعر بأنه مدينة افتراضية لا تجد قرينة لها إلا في عالم الخيال.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024