تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

حقائب المنسيين

ما عاد الفجر يرأف بها. كان الفجر يمحو حماستها للصحو والسيطرة على عالمها، على أفكارها أولاً ثم تصرّفاتها وتحرّكاتها كلّها. كان الفجر وقت الإفلات من سيطرة الوعي ونقل الهلوسات إلى الأوراق. الفجر أيضاً تغيّر وتشابهت الأوقات.

تفكّر في حقائب المجانين التي قرأت في ملحق «سيفن» الصادر عن «صانداي تلغراف» أنّها وُجدت في مبنى قديم في نيويورك.
ثلاثمئة حقيبة قديمة وُجدت في طبقة سفلية من مبنى يُهدم قريباً. هذه الحقائب حملت حيوات سكّان المبنى المنسيين ثم نُسيت مع أصحابها في قبو المبنى القديم الذي كان خلال أعوام طويلة مستشفى للأمراض النفسية والعقلية.
معظم هؤلاء المرضى دخلوا المستشفى في سنّ الشباب وغادروه إلى قبورهم.
فلم تأوهم أمكنة أخرى، كما ليس ممكناً لمن دخل هذا المكان أن يغادره إلى الحياة.
أصحاب الحقائب المكتشفة غادروا الحياة تاركين أغراضهم المنسية في عهدة الزمان.
هذه الحقائب المكتشفة التي حوت إحداها ساقاً وذراعاً خشبيتين، في حين وُجدت في حقيبة أخرى لوحات وأعمال كروشيه بديعة، ستعرف الأضواء أخيراً وتغادر أقباء النسيان هي ومحتوياتها في معرض صور فوتوغرافية يقام في سان فرنسيسكو.
حقائب المنسيين هذه رافقتها في فجر ما عاد يرأف بها ويسمح لها بالهروب إلى الكتابة.

تخيّلت القلق غرضاً مخفياً في حقيبة تُنسى في قبو مبنى مهجور. تتوافر في هذه البلاد، بلادها، كلّ أسباب القلق. من فكرة إلى أخرى، من حقائب المنسيين، تعود إلى النقاش الداخلي نفسه الذي يشغلها منذ مدة عن معنى الكتابة في أزمنة الموت، وعن معنى الصمت أيضاً في هذه الأزمنة؟ هي أزمنة القتل: قتل الأجسام والنفوس والأمل والرغبة في الحياة والقدرة على فهمها.
كيف يمكن فهم كلّ هذا العنف؟ عمّا يمكن أن تكتب الآن؟ أم أنّها يجب أن تكتب، الآن تحديداً، وأن تصرخ كلماتها. تخاف.
المشاهد مخيفة، مشاهد الانهيار. أهذا هو «الشرق الجديد» الذي ظنّت أنها بين السائرين إليه أو على الأقلّ بين الشهود على السائرين إليه، بعد عقود التخبّط في «مستنقعات» الاستبداد؟

ما الذي يمكن أن يُكتب بعيداً عن الخوف من الغد ومن منطق الإلغاء وسطوة الجهل واستغلال الدين؟ دعوات الإلغاء هذه فظيعة، ولا يمكن لأي إنسان عاقل وغير حاقد أن يفهمها. كيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه؟ لن تلوم صديقتها إذا قالت مجدداً: ببساطة أصبحت أكره الربيع. أصبحت أخاف منه.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077