تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

من مخيّلة 'تيم بورتون'

بين الكتب ظهرت الساحرة، شعرها طويل جَعِد بعدما نبشته بأظفارها الكحلية. ووجنتاها منتفختان والأزرق تحت عينيها يميل إلى الأرجواني. ابتسمتْ.
حاولت أن أبحث في عناوين الكتب عن أرض جديدة، عن بلاد للعجائب والأطفال، عن ألوان حيّة وروائح سكرية.

لمستُ يديّ. لست طفلة. كبرتُ وما زلت كبيرة في السن والحجم. رأسي ثقيل أيضاً أحاول أن أزيحه إلى جهة أخرى. أن أنقله إلى حيث يختفي وجه الساحرة الجميل والمخيف في الوقت نفسه. لمستُ يدي. لست طفلة الآن.
لست جديدة. كبرتُ، فكيف تجرؤ ساحرة على الاقتراب مني؟ تشجعت على أن أهدّدها بنظراتي. نظرت إليها باستياء. وخفتُ.
كانت ترتدي زياً من أزيائي، فستاني الرمادي الذي أحبه وأحسّ حين ألبسه أنني المرأة التي أريد أن أكونها. تعرف الساحرة أنني أحتمي بفستان. تعرف أن الفستان يصبح واجهتي.
الساحرة فهمت ضعفي وضياعي في بلاد عرفتُها منذ ولدت، وتريد أن تغيظني بهما، بضعفي وضياعي. رأيتها تتنقلُ بين الكتب. بين كتبي المفضّلة في صالة عرض واسعة، تختفي ثم تظهر، تضحك ثم ترمي على رأسي عرائس بلاستيكية صغيرة وأقراصاً من الحلوى.
لمست يديّ مجدداً. لا لست طفلة. لم أعد إلى الطفولة، ربما كنت أحلم. ربما تهت بين مراحل نومي واليقظة. لمَ أصحو؟ ليست يداي جديدتين.
لم أعثر فيهما على نعومة الحياة في أعوامها الأولى. وكطفلة أغوتها المشاكسة، تبعت الساحرة. كان عليّ أن أتبعها، لم أود أن أوحي لها أنني أخاف منها.
ركضت خلفها، طاردتها إلى أن انضمّت إليها ساحرة أخرى، ساحرة قبيحة لوّنت وجهها بالبنفسجي الأدكن.

تراجعت عن مطاردتهما وتركتهما بين الكتب. ثم بدأت أفكر في الهروب من صالة العرض الواسعة إلى صباح يوم جديد. لكن أي طريق أسلك في الخارج هرباً من الانفجارات؟

تمنّيت أن أجد فجأة إحدى صديقات طفولتي «القديمة». وأين صديقات الطفولة حين نحتاج إليهن؟

الطرق مزروعة بالموت وأنا منذ ولادتي أجرّ إرثاً من العنف، إرثاً من الدم الذي لا يصبح عصيراً في المقاهي أو شراب الشوكولا الساخن في حدائق افتُتحت خصيصاً للأطفال. أحاول التخلّص من الإرث هذا، لكنه يلتصق بي.
أمشي. فيمشي معي. خطف الإرث ظلّي وقتله وحلّ مكانه. كلّما حرّكت قدميّ تحرّك معي. حاولت أن أفهمه أنني مثل غيري من المقموعين في بلد العجائب «السلبية» المخيفة، أكره الشعارات والقضايا ولا أبحث عن أي شعور بالانتماء.
«أريد أن أنتمي إلى العالم»، قلت له. «ألستُ حرّة؟». سؤال غبي فعلاً. فإرثي لم يحرّرني أو يشفق عليّ يوماً. وما تخلّى يوماً عني، فحملتُه مجبرة. أصبحت عجوزاً في صباي بسببه. شممت رائحة الموت مبكراً بسببه.

خرجت من الكابوس. كانت الساحرة تلصق إرثي بي. تجمع بالإبرة والخيط بينه وبين أطرافي.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077