تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المدير العام للمعهد العربي في باريس منى خزندار

هي أوّل امرأة تصل إلى منصبها، وأوّل شخص سعودي يتبوأ منصب المدير العام للمعهد العربي في باريس.
وعلى رغم اعتزازها بهذا الإنجاز الذي حققته كامرأة وكسعودية تبدو المثقفة والناقدة السعودية منى خزندار غير راضية عن السياسة المُعتمدة اليوم في المعهد والتي قد تدفع به إلى الهلاك.
بعد سنة ونصف على وصولها إلى هذا المنصب، ماذا تقول خزندار عن المعهد؟ هل أثّرت ظروف الربيع العربي عليه؟ ما هي الأزمات التي تُهدّد هذا الصرح الثقافي الفريد من نوعه ؟ وما هي الحلول التي تقترحها؟... عن هذه الأسئلة وغيرها أجابت المديرة العامة للمعهد العربي في باريس منى خزندار موجهة صرختها إلى حكّام الدول العربية لإنقاذ المكان الوحيد الذي يُمثّل وحدة العالم العربي في قلب أوروبا.

- تُصادف هذه السنة ذكرى مرور ربع قرن على افتتاح المعهد العربي في باريس. كيف تنظرين إلى مسار المعهد خلال 25 سنة؟
ربع قرن ليس بالفترة الوجيزة، وبطبيعة الحال حدث الكثير من التغيرات التي طرأت على العالم كلّه والتي أثرّت بدورها في مسار المعهد الذي قام عام 1983 على أساس الشراكة بين العالمين العربي والغربي، مُمثلاً بالعاصمة الفرنسية باريس. فالمعهد كان يهدف من خلال هيكليته ومضمونه إلى توطيد العلاقات الثقافية والديبلوماسية بين الدول العربية والأوروبية.
وكان الاتفاق ينصّ على دعم فرنسا المعهدَ بنسبة 60 في المئة، على أن يُموّل العالم العربي الـ40 في المئة الباقية.
إلّا أنّ هذه الشراكة تراجعت شيئاً فشيئاً نتيجة أسباب مختلفة، أولّها تخلّف الكثير من الدول العربية منذ بداية التسعينات عن دفع التمويل نظراً إلى ظروف عدّة تأتي في مقدمها حرب الخليج.
وخلال تلك الفترة كان المعهد يُعاني خللاً في موازنة آخر العام، ما اضظر المعهد لإلغاء الكثير من أنشطته الدائمة ومؤتمراته الكبيرة ومحاضراته.
هكذا، أصبحت فرنسا وحدها تتكفّل مسألة التمويل الذي شكّل عائقاً حقيقياً أمام أهداف المعهد ومشاريعه.
وبعدما وجدت الدولة الفرنسية أنّ المعهد لا يمكن أن يستمرّ بمثل هذا الوضع الصعب، توصلت إلى حلّ يقضي بأن تدفع الدول العربية المتأخرات التي عليها، على أن تُكمل فرنسا دعمها للمعهد في شكل منفرد.
لكنّ الحلّ المقترح لم يلغِ المشكلة لأنّ صندوق الوقف لم يصل إلى المبلغ الذي كنّا نتوقعه، بسبب عدم التزام بعض الدول العربية بالدفع، ما أضعف الشراكة الفرنسية - العربية وقلّص دور المعهد العربي في الحياة الثقافية والديبلوماسية.

- كيف احتفلتم بهذه المناسبة وهل من برمجة خاصة بهذه السنة؟
قبل تسلّم هذا المنصب، كنت مسؤولة عن قسم الفن التشكيلي في المتحف الخاص بالمعهد العربي، وعملي في هذا المكان فترة طويلة جعلني مرتبطة به إلى حدّ كبير. من هنا، أحببت ألّا تمرّ هذه المناسبة في شكل عابر، بل حرصت على أن يكون الاحتفال بذكرى مرور ربع قرن على تأسيس هذا المعهد الفريد من نوعه مناسبة مميزة أيضاً.
فتعاونت مع فريق عمل محترف على برمجة نشاط خاص بالمناسبة، عنوانه «25 سنة من الإبداع العربي»، وأُقيم قبل ثلاثة أشهر تقريباً وكان أكبر معرض للفنّ المعاصر في تاريخ معهد العالم العربي، بحيث اجتمع فيه 40 فناناً من أجيال مختلفة، أي من جيل عادل السيوي إلى جيل أيمن بعلبكي. واحتوى المعرض على تيارات مختلفة وموضوعات متباينة وأنواع فنية متعددة من الرسم إلى التصوير الفوتوغرافي.
ومن المفترض أن ينتقل معرض «25 سنة من الإبداع العربي» إلى أكثر من عاصمة ودولة عربية مثل أبو ظبي والبحرين والكويت، آملين بأن يزور عواصم أخرى مثل بغداد التي تحتفل باختيارها «العاصمة الثقافية لعام 2013».
وقدّمنا أيضاً في هذه المناسبة عروضاً حيّة ومعاصرة مثل عرض «هيب هوب» خاص بفنان سعودي يُدعى قصي، وكانت فرصة جميلة لتعريف الفرنسيين والعرب المهاجرين والعالم كلّه إلى فنّ سعودي من نوع جديد غير الذي عرفوه عبر أغنيات طلال المدّاح ومحمد عبده، لأنّ السعودية اليوم تضمّ الكثير من الفنانين الشباب المتميزين في أنواع حديثة من الفنون.

- كيف أثّر «الربيع العربي» على المعهد؟ وهل واجهتم مشكلات سياسية بعد تغيّر الأنظمة وتفاقم الأزمات في أكثر من دولة عربية من الدول الأعضاء في المعهد؟
لم نواجه مشاكل سياسية، وإنما إدارية. فكم مِن وزير ثقافة تغيّر في مصر مثلاً منذ بدء الأحداث إلى اليوم؟ لا شكّ في أنّ التقلبات السياسية انعكست على المعهد وأحدثت إرباكاً نتيجة معوقات إدارية في المسار العملي، خصوصاً أنّ المعهد كان يعيش تحديات معينة كإعادة افتتاح المتحف أوّل السنة الجديدة.
فلم نستطع على سبيل المثل استعارة بعض القطع الأثرية من اليمن نتيجة المشاكل الداخلية التي نشبت فيه، وإنما بحمد الله تمكنّا من الحصول على بعض القطع الفنية من سورية قبل تفاقم الأزمة فيها وإقفال الحدود.
وساعدتني في ذلك ظروف الشارع العربي وقتذاك كي أركّز على المشهد الراهن في المجتمعات العربية.
وفي هذا الصدد نظّمت وزارة الخارجية الفرنسية ندوة مهمة في المعهد، ترأسها آلان جوبيه، ودُعي إليها الكثير من المثقفين والمفكرين في فرنسا وأوروبا، موضوعها الأساس الربيع العربي.

- المعروف أنّ لكلّ مدير عام جديد خطته وأهدافه ورؤيته الخاصة للعمل. فما هي الخطة التي تنظرين إليها؟
ركّز معهد العالم العربي، منذ تأسيسه، على فكرة التاريخ العربي وتراثه وأمجاده، متناسياً واقعه الراهن. وأنا منذ تسلمي منصب المدير العام للمعهد قرّرت أنا أن أعوّض هذا النقص في تعامل المعهد مع الواقع العربي وتجليّاته الإبداعية والفنية الاجتماعية... وكما تعرفون، لدينا في المعهد متحف وسينما وقاعات معارض وغيرها من الأمور الثقافية التي يُمكن عبرها ترجمة الواقع العربي في كلّ ما يحمل من إبداع، لا سيّما أنّ الغرب يعرف الكثير عن تاريخ العرب فيما هو يجهل حاضره وأنّ ما زال فيه إبداع وتميز.
ولعلنا عبر الندوات والمحاضرات والسينما نحاول أن نوضح ثقافتنا وهويتنا الثقافية. في الحقيقة كنت أفكّر في وسائل تستطيع أن تنقل إبداعنا القديم والمعاصر الذي يغيب عن الجمهور الغربي والفرنسي.
قبل 25 سنة لم نكن نرى في فرنسا أي اهتمام بالأدب العربي وتراثه، أمّا اليوم فبدأنا نشهد نشاطات كبيرة وافتتاح معاهد ومتاحف هدفها التعريف بهذه الحضارة وإنجازاتها، ومن أهمّها افتتاح القسم الجديد في متحف اللوفر عن فنون الإسلام التي تشمل الدول العربية.


أزمة المعهد العربي

- للمعهد العربي في باريس قيمة ثقافية وحضارية لا يختلف عليها اثنان. ولكن ألا تعتقدين أن بات له اليوم قيمة شكلية طغت على قيمته الحقيقية؟ وفي حال الإيجاب، هل تضعين اللوم على الدول العربية التي قصرّت في دعمها المادي للمعهد؟
هذا صحيح. وأنا أستغلّ الفرصة عبركم للتوسّل إليهم والقول لهم إنّ هذا المعهد هو بيتكم وواجهتكم في فرنسا وفي أوروبا. المعهد بُني بمالكم، وبفضلكم صار هذا المبنى ذو الهندسة المعمارية البديعة رمزاً بل صرحاً ثقافياً مهماً، فلا تتخلّوا عنه بعدما أنفقتم في بنائه الملايين.
المعهد العربي في باريس هو اليوم أيقونة حقيقية ومن الجرم إهمالها، وعلى المسؤولين العرب أن يستغلّوا وجود هذا المعهد الأول والوحيد من نوعه في العالم، لأن هذا المكان بالذات قادر على أن يُغيّر نظرة العالم إلى العرب.
ومن هذا المكان يمكن أن ننطلق في حوار مفيد للأديان والثقافات والحضارات. وأنا أطلب من كلّ الدول العربية التعاون معنا بهدف وضع خطط جديدة للعمل على إنقاذ المعهد المهدّد في ظلّ غياب دعمهم المالي المنتظم. أقول هذا مع شكري لكل الشخصيات العربية التي تُساعد بين الفترة والأخرى.

- هل يمنحك منصبك مطلق الصلاحيات داخل المعهد أم إنّ وجود رئيس مجلس إدارة فرنسي يُقلّص شيئاً من صلاحياتك؟
يقوم المعهد، منذ تأسيسه، على رئيس ومدير. الأول فرنسي يرشحه رئيس الجمهورية الفرنسية، والثاني عربي يختاره مجلس السفراء العرب المؤلّف من 22 دولة.
لكنّ دومينيك بوديس الذي رشّح نفسه كمندوب أوروبي ونجح في تولّي هذا المنصب، عدّل قانون المعهد الذي يمنع الرئيس من تولّي منصبين وأوجد منصباً جديداً هو «رئيس المجلس الأعلى» ليُنصّب نفسه عليه. ثمّ اختار رئيس مجلس إدارة آخر يشرف على الأمور الإدارية التي كانت من حق المدير العام للمعهد.
هكذا، صار للمعهد رئيسان فرنسيان ومدير عام عربي. وهذا ما أضعف الشراكة وقلّص الصلاحيات العربية.

- يبدو أنك مستاءة من الوضع؟
طبعاً وأعتقد أنّ من واجبي أن أحكي بصراحة وأقول ما يجري بشفافية. وعندما يأخذ أحدنا على عاتقه فعل التكلّم أو الكتابة يكون قد دخل حرباً إما بلسانه أو بقلمه، وأنا لا مشكلة لديّ في ذلك طالما أن هدفي يتمثل في تعديل الأمور لمصلحة المعهد وليس لمصلحتي الشخصية.
صفة المعهد هي «العربي» لأنّه يقوم أولاً وأخيراً على الحضارة العربية وتراثها. ولكن، من الصعب أن يستمرّ المعهد في ظلّ علاقات شبه مقطوعة مع العالم العربي.
وأنا أتمنى أن تعود أنشطة المعهد إلى ما كانت عليه في السابق قبل أن يُلغى الكثير من مهرجاناته وندواته مثل «مهرجان الشعر العربي»، الذي كنّا ندعو إليه شعراء من العالم العربي، و «مهرجان السينما العربية» الذي كان بمثابة لقاء ثقافي كبير مع المخرجين والممثلين والنقاد والصحافيين وغيرهم...

- يبدو أنّ طموحاتك أكبر من إمكانات المعهد، وما زال أمامك سنة ونصف السنة لانتهاء ولايتك. فهل تفكرين في البقاء، لو جُدّد لك، لتحقيق ما تحلمين به؟
الأحلام وحدها لا تكفي، المساعدة المالية هي الأســاس. ويأتي بعدها تحديد صلاحيات المدير العام العربي الذي لا يُعقل أن تؤخذ منه صلاحياته. وأنا أقولها بصراحة إذا لم أجد تطوراً في الوضع العام للمـــعهد، فلن أبقى لحظة واحدة لأنّ دولتي وتربيتي وعقليتي لا تسمح لي بالبقاء في منصب لا أعمل فيه.


المرأة السعودية...

- أنت سعودية ولدت في أميركا وعاشت وعملت في فرنسا. ماذا أضافت إليك هذه الخلطة الكونية إذا صحّ التعبير؟ ولمن هو انتماؤك؟
أنا سعودية طبعاً وأفتخر بذلك، إلاّ أنّ موقعي في المعهد جعلني أشعر بانني أمثّل كلّ العالم العربي بثرائه الثقافي وغناه الايديولوجي وتنوعه.

- تميزّت حكومة هولاند الجديدة باحتوائها على عدد كبير من الوزيرات السيدات، ومن بينهن أكثر من وزيرة عربية. هل حصل أن تعرّفت إليهن؟ وهل تعتقدين أنّ الوزيرات الفرنسيات من أصل عربي قادرات على حلّ مشاكل المهاجرين في فرنسا؟
بحكم عملي في المعهد يكون تواصلي عادة مع وزارات فرنسية محدّدة هي وزارة الثقافة والخارجية والتعليم. أمّا الوزيرات اللواتي تسلمن حقائب وزارية أخرى فلم أتواصل معهن إنما التقيتهن في مناسبات معينة وفي افتتاح معارض ومتاحف كبرى.
ولا يُمكننا الحكم على أدائهن وما إذا كنّ سوف يعملن على مساعدة أبناء موطنهم الأصلي أم لا، لأنّ الأمر يحتاج إلى القليل من الوقت أيضاً.

- كيف ترين إلى صورة المرأة العربية اليوم؟ وهل ساهم الربيع العربي في تكريس دورها؟
المرأة العربية لم تنتظر الربيع حتى تظهر وتؤكّد دورها، فهي استطاعت أن تعبّر عن رأيها وتُطالب بحقوقها قبل الربيع العربي. ومن احتكاكي بفنانات معاصرات أقول إنّ ثمّة فنانات تشكيليات طالبن بالحرية عبر لوحاتهن وأعمالهن قبل ساحات التظاهر وميادين التحرير.

- وكيف تقومين دور المرأة السعودية اليوم من وجهة نظرك كامرأة سعودية تعيشس وتعمل في الغرب؟
المرأة السعودية قويّة وناجحة واستطاعت اخيراً أن تحصل على حقوق كبيرة بعدما أتاح لها خادم الحرمين أن تكون عضوا في مجلس الشورى، ما يُعطيها الحقّ ليس في التصويت فقط وإنما في التشريع داخل بلدها. وهذا إنجاز كبير يُضاف إليها طبعاً.
والمرأة السعودية موجودة اليوم في الوزارات وفي القطاعين العام والخاص وفي الغرف التجارية وفي المؤسسات الثقافية.
وعندما أسمع أحياناً من يقول إنّ المرأة السعودية مهمّشة أردّ عليه بأن وصولنا إلى أعلى المناصب هو دليل عدم دقّة الكلام، لأنّه لولا دعم دولتنا وأسرنا لنا لما يمكننا أن نتقدّم ونصل.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078