تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

موعد مع مغنّية

اعتبرتْ المغنية أنّني مسليّة جداً. التقيتها في الطائرة حيث شرحتْ أنها لا تستطيع النوم أو نسيان خوفها. تكلّمتْ كثيراً وأنصتُّ إليها باهتمام. تقول عن نفسها إنها مغنّية مبتدئة، لكنني عرفتها.
ربما رأيت صورها في مكان ما. أعطيتها رقم هاتفي بعدما طلبته مني. ولم أطلب منها رقم هاتفها. قالت إنني يجب أن أحضر حفلتها المقبلة وأعطيها رأيي بأسلوبها الذي يمزج بين الغناء الغربي والغناء الشرقي.
وقبل أن تحطّ الطائرة، استمتعت بمراقبتها وهي تتأنّى في إضفاء لمسات جديدة على ماكياجها. لوّنت وجنتيها ثم شفتيها بأحمر شفاه لمّاع.
وبعد أسبوعين في بيروت اتصلت بي وأصرّت على أن ألاقيها بعد ظهر ذلك اليوم في المسرح حيث ستقدّم حفلاتها. وصلتُ قبل أن تصل.
فكرت في الهروب من الموعد، لكنني بقيت مكاني، واستسلمت لألوان القاعة المزيّنة بصور لوجوه راحلة. كأن عليّ أن أنتظرها.
جلست أراقب الوجوه في المطعم الملتصق بالمسرح. الوجوه تأكل كثيراً، والأفواه تبتلع الطعام بسرعة، وأنا أحلم بقنينة ماء وفنجان قهوة. لكن المسرح مقفل، وحدها القاعة التي أجلس فيها مفتوحة.
لا أغادرها، أظنّني أرغب فعلاً في لقاء المغنّية وتعلّم الدلال منها. ثمة شاب يجلس إلى إحدى الطاولات المنتشرة في مساحة القاعة الضيقة.
تكلّم خلال نصف ساعة على الهاتف، وبصوت قويّ، عن الكومبيوتر الجديد الذي سيشتريه غداً وعن مبلغ الألفي دولار الذي سيدفعه نقداً.

إلى متى عليّ أن أنتظرها؟ منذ قال لي أحد أصدقائي إنها «غير مؤدّبة» دون أن يشرح لي جملته تماماً، تحمّست للقائها. لكن إلى متى عليّ أن أنتظرها؟ وربما يجب أن أغادر المسرح قبل أن تأتي وتعرف أنني انتظرتها هذا الوقت كلّه.
أجلس مجدداً، أرى أرجل المارة أولاً ثم أحاول أن أتخيّل أشكال الرؤوس التي تلائم الأرجل. «هل أتت؟» سألت شاباً دخل المكان. لكنها لم تأتِ بعد.

في هذه القاعة تصل إليّ أصوات الحياة كأنها تصدر من تحت، وتكاد أن تحرّك جسمي موسيقى صاخبة متصاعدة من سيارة تاكسي تعدّت خلال لحظة على رصيف المسرح ثم عادت إلى الطريق.
وأصوات الخطوات أسمعها قريبة وأنتظر أن تتجه رِجلان نحوي. دخلت وهي تشتم سائق التاكسي ثم البلد كلّه.

أراقبها بدهشة. أنا في منتصف دائرة الحياة، في شارع شهرته تاريخية. أستطيع أن أنسى أمر المغنية وأهرب إلى واجهات المتاجر. لكنني أجلس معها وأستمع إليها مرة جديدة. هذه المرة لم تتكلّم كثيراً، وكان عليّ أن أركّز كي أجد كلاماً أقوله لها.
تصرّفتْ بأدب ولطافة. وعدتها بأن أحضر حفلتها الأولى وأن أجلس قريبة من خشبة المسرح. خرجت من المسرح إلى الشارع وانتبهت إلى أن صورها أُلصقت على الجدران.
وتخيّلتها وهي تتحرّك في ليل بيروت لتلصق صورها على جدران المدينة وتكتب تحتها بخطّ يدها: تعالوا إلى حفلتي الأولى.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077