تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

السرّ

اختبأت ثريّا في سترتها وغادرت المنزل. حفل يومها بالأحداث التي طالما تمنّت أن تحياها في يوم واحد. فكّرت في أنّها تعيش يوماً يشبه أيام بطلات الروايات التي شغلت قراءتُها طفولتهَا وصباها.
دوّنت البارحة الكلام الذي قذفتها به صديقتها عليا واحتفظت به في ملفّ في ذاكرة الكومبيوتر. لا تعرف عليا أنّ ثريّا تدوّن كلامها، وربما لن تبالي بالأمر إذا عرفت به، ويمكن أيضاً أن يخيفها الموضوع ويزعجها.
يصعب أن تتوقّع ثريّا ردّة فعل صديقتها، خصوصاً أنّ الوصف الوحيد الذي يمكن أن تصفها به من دون تردد هو أنّها مزاجية.
ولا يمكن أن تستخلص قاعدة واحدة من تصرّفاتها، أن تقول إنّها سريعة الغضب أو هادئة، أو إنّها عنيدة أو ديبلوماسية. كلّ ما تعرفه ثريّا عن صديقتها عليا غيرُ ثابت، بل متحوّل كلّ لحظة.

تكبرها عليا بأعوام عديدة، وهي تكنّ لها إعجاباً شديداً، إعجاباً بطريقة عيشها، باهتمامها بنفسها وبعلاقتها بالأحداث اليومية العادية المتكرّرة، التي تستخرج منها عليا متعة غريبة وإصراراً على أن تحياها بحماسة لا تنقص بين يوم وآخر.

الآن تجرّها عليا إلى معرض فنّيّ لم ينسِها ثقل السرّ الذي تحمله منذ أربعة أسابيع. لن تنسى ذلك الأحد الذي قررت عليا خلاله أن تكشف لها سرّ مرضها.
أيّ مرض يبقى سريّاً؟ فكّرت ثريا. قالت عليا ما قالته وطلبت من صديقتها ألا تفتح لها الموضوع مجدّداً، وألا تخبر أحداً به. أهي لعبة أخرى من ألعاب الحياة، أم هي لعبة عليا؟

ثم لم تسمح لها مرة أخرى بالكلام عن مرضها. كلّ ما قالته إنّها تحبّ أن يبقى الأمر سرّاً بينهما قبل أن يكشف جسمها السرّ.

وصلتا إلى المعرض بعد حلول الظلام، واتفقتا على أنّ بيروت تفقد بعض قبحها في خريفها. تسيران في شارعهما المفضّل، الشارع الذي لا تكبران فيه، حيث الزمان يتوقّف خصوصاً بعد الغروب. تسيران نحو القاعة، كأنّهما تطيران إليها.
لقد امتلأت بالكلام. دخلتا وقد تخلّيتا عن قلقهما، ورافقت دخولهما المكان ضجّة الحضور الذي احتشد ليس لأجل الفنّ تماماً.
الجدران الملوّنة بالأحمر كُتبت عليه شعاراتٌ مختلفة، والضوء الأحمر المتدلّي من السقف ينحدر نحوهما.
أما الكتب التي غطّت الرفوف الزجاجية، فتتوهّج في عيونهما أغلفتها الجلديّة الحمراء المحفورة عليها حروف ذهبية، تقرآنها: الحياة. الكلمة نفسها تتكرّر عشرات المرات.
تقرأ ثريا كلمة الحياة. أما عليا، فما زالت تقرأ الحياة، وتسحب كل لحظة فيها إلى عينيها، حيث تراها ثريا هناك، تلتمع ولا تنطفئ. عندها فقط، تفهم ثريا رغبة صديقتها في اللعب مع الحياة إلى أن تصبح اللعبة خارج سيطرتها. عندها فقط لا بد أن ينكشف سرّهما.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077