الحياة في عينيها
لا أعرفك جيداً. تعرّفت إليك منذ بدأت تتعذّبين. أعرف عذابك وأخاف منه، عليك وعليّ. أخاف أن يصيبني ما أصابك.
أخاف من عينين تتكلّمين بهما، تعرفين أنّهما تنطفئان لكنك تكملين. تساعدك بلاغة عينيك، قدرتهما على التعبير.
تضحكان، وتلمعان بالأسئلة. تحزنان وتشعّان رعباً أيضاً. في ما يخصّ الرعب، كيف يفقد احترامه في عينيك؟ عيناك تصارعان.
عيناك شاشتان تنقلان معركة الجسم كلّها، الجسم الذي يصارع نفسه. روحك تصارع بصمت. تصارعين بتأفّف بسيط.
الصوت، أين يذهب الصوت؟ تتناثرين. تتخفّفين من بصمات وجودك. الخطوة، ثم الصوت.
تبقى النظرة حازمة، وحنونة، متعطّشة أيضاً لدفء أجسام الآخرين، لأنّ جسمك يبرد، ولأنّ برودته تزداد.
لا أعرفك منذ زمن بعيد. عافيتك لم تسمح لنا بأكثر من لقاء سريع، من مجاملة سببها واجب عائلي.
مرضك قرّبني منك، أستطيع أن أقول إننا أصبحنا صديقتين. هل عرفت أننا أصبحنا صديقتين؟
ما زلت لا أعرف الكثير عنك. أعرف أنّك تحاربين الألم برومنسية غريبة، تتآلفين معه، تحنين له ظهرك، تقبلين به، تسلّمين عليه، تقرأين له.
وحين تنامين، تحرسك حروف المجلات والكتب التي تحاولين أن تحشري جسمك فيها، أن تنتقلي إليها، أنتِ وأوجاعك، تتخيّلين أنك غادرت المستشفى وأنّ المستشفى نفسه أخيراً غادرك.
تريدين أن يمرّ الوقت، ثم تريدينه أن يتوقّف. وحده الوقت تعجزين عن التعامل معه. أفهمك، أفهمك تماماً. لكن لا يمكن فهم لعبة الحياة.
هذا ما لا تقوله عيناك المتمسّكتان بالأمل، بتفاصيل الحياة الأشدّ بساطة، بلون قميصك المفضّل، بعلاقتك بعطر ما، بطعم طبق تحبّينه. هكذا تظهر الحياة في عينيك، الحياة بتفاهتها وغموضها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024