تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

ثلاث نساء

كائن وحشيّ

للمرة الأولى تريد أن يمرّ الوقت، أن ينساها الوقت. تريد أن تشيخ، أن تنتهي من هذا الكفاح المستمرّ، وتنطلق إلى كفاح آخر، كفاح انتظار النهاية.
منذ طفولتها تحلم بحديقة صغيرة تزرعها وتأكل من حصاد زرعها، تحلم بالسكون، بحياة ساكنة بطيئة، تحلم بأن تكون بلا اسم ولا مسؤولية.

منذ أيام، سُئلت سؤالاً واخترعت له إجابة لا تشبهها. ومنذ ذلك اليوم تشعر بالخوف. كبرت وما زال يعيش معها ذلك الخوف الطفولي. ماذا تقول لطفلها حين يركض إليها خائفاً من كابوس النهاية، ومن النفق الموعود؟

سألها زميلها الذي لا تطيقه: أهذا ما أردته من الحياة؟
تجرّأ الزميل على طرح سؤال بهذه الحساسية والأهمية. لا ليست هذه الحياة التي وعدت بها موهبتها. وهي ما زالت لا تعرف ما تقدر عليه، وما كانت ستقدر عليه لو أنّها كانت أقوى.
ما أبشع الاستسلام للضعف. ما أبشع الاستسلام. قرّرت أن تتحوّل إلى كائن وحشيّ، فقط كي ترتاح.

الدنيا طابة رمادية
تغطي مريضة «الذي لا يُسمّى» شعرها بقطعة قماش صغيرة وتنظر إلى الموت بعينين رومنسيتين. تسأل عن طعم الأطباق التي تحبّها. ما زالت تحس بطعم ما تحبّ، وهذا الإحساس هو الآن صلتها الأقوى بالحياة. رغم مرضها، وجهها وردي بلون بيجامتها.
الشرفة مغلقة كسجن من زجاج، والبحر أمامها سجين أيضاً في مشهد رمادي. البحر والسماء والشوراع كلّها رمادية. ترى الدنيا كلّها طابة رمادية وتضحك.


مثل كابوس يتكرّر

في العتمة تكبر الأفكار وتتضخّم الهفوات. في العتمة تحاسب نفسها. ما الذي تقوله؟ وما الذي قالته؟ ستُحاسَب على كل حرف. وتريد أن تضحك على الحياة؟ أن تكون لها كل تلك الأدوار؟ أن تكون الأم والإعلامية والزوجة والابنة؟ تعيد العتمة الكلمات إليها.
تعيد إليها ما قالته لأعزّ صديقاتها وكان قاسياً وتافهاً «عن الأصدقاء الذين تنتهي مدة صلاحية صداقتهم» وعن النساء اللواتي يدّعين أنهن «المعذّبات في الأرض».

في العتمة قبل أن تصحو تماماً، برقت الفكرة في رأسها وانتبهت إلى أن ما قالته يفضح أنانيتها، كلامها فضيحة لا يمكن أن تُمحى.
فما قيل قد قيل وسُجّل، ولن يُنسى. سيعود إليها هو الآخر مثل كابوس يتكرّر. وهي تريد أن تنقذ نفسها من جهل لم تعترف به بعد.

وكيف ما زالت جاهلة؟ تريد أن تمحو حياتها، أن تعيد كتابتها منذ الحرف الأول. كلّ ما كان من قبل مجرّد غباء طال، وصُدّق. صدّقته هي. أحياناً لحظات سريعة تكشف لنا كلّ شيء، تعرّينا، ننكشف في لحظات قليلة، حين تنكشف أيضاً هشاشة الواقع وأقنعته.
كيف يمكن أن تمضي في الحياة بعدما انكشفت؟ ما الذي يمكن أن تفعله لتحطيم حياتها السابقة؟ لتهرب إلى عالم آخر لا تخدع فيه نفسها وتكون فيه امرأة واحدةً فقط؟

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077