تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

لحظة ضعف

يمكن أن تحسّ بالضعف، هي السيدة الصلبة المتهوّرة. تأكدت من الأمر واعتبرته حقيقة واستنتاجاً مخيفاً. تقنع نفسها بأنّ لحظة الضعف مضت.
في تلك اللحظة أحبّت الكلمات وكرهتها، آمنت وكفرت بها. في تلك اللحظة قالت إن الكلمات تخلّصها وتورّطها، وإن المعاني فخاخ وكنوز.
تصمت. تتوقف عن قراءة ما كتبته خلال استراحة السفر. تغمض عينيها، لكنها تستمرّ في القراءة. تستمرّ في العيش مع أنهار الكلمات، تتدفّق القصائد في جسمها. تغمض عينيها وتستمرّ في القراءة. تقرأ العالم كي تواجهه.
كيف تواجهه بغير الكلمات؟ تبقى الكلمات واضحة في طريقها، تراها يمنة ويسرة، فوقها وتحتها، تدوس على كلمات وتلتقط أخرى، وتعانق حروفاً. ليست الرحلة رحلتها، ليست هي من قررت القيام بها. هو سفر لن تعود بعده إلى حياتها السابقة.
لن تخاف الآن وتتراجع عن اختيارها أن تثور على مجتمعها وألا تكون نسخة من الأخريات. امرأة تختبر الحرية وتقدّرها في زمن أسود، في أيام قاسية من القرن التاسع عشر، هي امرأة تعلن الحرب على نفسها.

هي في الأسر الآن. تدرك تماماً معنى ذلك. تبقى صلبة وتقرّر أن تمزّق صمتها، أن تتلو القصائد بصوت عالٍ خلال الرحلة إلى بداية النهاية. يحتمل أن يأمرها الجنود بالصمت.
تقرّر المخاطرة. تتلو القصائد. تبنيها بكلماتها، تبنيها وتتلوها. يعلو صوتها ويصفو صمت الجنود. يستمعون إليها بشغف، وهي تحسّ بشغفهم. الرحلة طويلة بين الجبال والأودية والبساتين.
تعرف أنّهم يتوجهون إلى العاصمة. أصبح الأمر خطيراً، ولا يمكن أن تحزر أيّ حكم ينتظرها، لكنّها هادئة.
ما هذا السلام الذي هجم عليها؟ سلام عنيد تشبّث بها، فأصبح وقع كلماتها أشدّ وضوحاً. إلى أين ستصل؟ لم يسبق أن باتت امرأة في السجن في مدينتها. يحكم على المذنبات بالبقاء في بيوت رجال الدين.
فأيّ بيت سيصبح سجنها؟ أما تهمتها، فهي القتل بالكلمات. تنبأت بجريمة قتل، فقالوا إنّها دبّرتها. وثمة تهمة أخرى، هي حضّ العقول على طرح الأسئلة، وهي تهمة بشعة، خصوصاً إذا كانت «الضحايا» من النساء.

تحلم بأن تستحمّ قبل أن تصل إلى سجنها. تحلم بأن تعطّر شعرها، وتلمس كتابها المفضّل.
لا تصمت في الرحلة الطويلة، امرأة مثلها لا تعترف بالصمت السلبي. الصمت إذا لم يكن رسالة هادفة، فهو جريمة ترتكب في حقّ المظلومين.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077