رداء أسود
كلّ ما فيه يعجبها. تريد أن تضحك على حماسته الطفولية، على لفظه الحروف بسرعة فريدة. تقمع ضحكتها. لن تكشف له عن استخفاف بما يقوله.
يبدو جدياً جداً ومتحمّساً جداً. فلمَ تهزأ به؟ ويجب أن تجيب طبعاً. ستجيب عن سؤاله.
- هل ستنضمّين إلى مجموعتنا؟ نريد أن نغيّر كوكب الأرض.
فلتنضمّ. ما الذي يمكن أن تخسره بعد؟
العتمة رداء أسود مثقوب بأضواء النوافذ والشرفات. العتمة صديقتها في العادة. الآن هي صديقتهما. من أين أتته فكرة أن يدعوها إلى السطح؟ منذ رأته قررت أنه مبدع. كلّ ما فيه دلّها على ذلك، لحيته، بنطلونه الواسع.
التيه في عينيه، صوته الخفيض. كلّما كلّمها بدا لها كأنه ينطق بسرّ الأسرار. دعاها إلى السطح.
ولعلّه خطط لدعوته أو لم يخطّط لها. المهم أنها استجابت، وأنّها أغمضت عينيها حين طلب منها ذلك، بالرغم من أنّها ما أرادت أن تغمضهما.
فجأة أطبقت قوّةٌ ما جفنيها وأجبرتها على الاستسلام لرغبته في أن يفاجئها. فاجأتها على الأرض سجادة وكأسان ووردة واحدة. انتظرت. ثم أغمضت عينيها مجدداً بعدما جلست أرضاً لتحلم بيده وهي تمدّ لها وردتها.
وهو انتظر أسئلتها. انتبهت إلى أنها يجب أن تطلب منه شروحاً حول السرّ الذي كشفه لها، وكان سبب وجودهما معاً على سطح إحدى البنايات في قلب بيروت.
لا تعرف أيّاً من سكان البناية. وليست متأكدة من أنّها يمكن أن تتعرّف إلى البناية نفسها من الخارج إذا قررت أن تقصدها وحدها. لا بد أنّه يعرف أحد السكان، وإلا كيف يمكنهما أن يقتحما سطحها في ليل معتم؟
ما زال ينتظر استفسارها. ماذا تسأله:
-أتحلمون؟
- كم شخصاً تضمّ المجموعة؟
- نحن الآن سبعة عشر، ستكونين الثامنة عشرة ضمن المجموعة.
- أتجتمعون هنا؟ سألته. أرادت أن يكون السطح مكانهما، أن تصدّق أنّه قصد أن يكون رومنسياً بحملها على المجيء إلى هنا.
لم يجب سريعاً. هذا ما توقّعته. انتبهت إلى أنّ هاتفه رنّ مرات عديدة، لكنه كان قد أخفى رنينه. تضيء شاشة الهاتف الصغير العتمة من حولهما كلّما ورده اتصال.
غارت من تلك الاتصالات. أتكون شريكته؟ لم تسأله بعد إذا كان مرتبطاً، وما زالت تتعامل مع لقائهما هذا على أساس أنّه موعد غرامي مفاجئ.
- لا نجتمع هنا. لن نجتمع كلّنا في مكان مفتوح. أطلعك لاحقاً على مكاننا. وإذا وافقت، يمكن أن ترافقيني إلى أحد الاجتماعات.
ترافقه ولم لا؟
- هذا بلد لا يتغيّر.
- هذا هو التفكير الذي نريد تغييره. أنترك البلد لهم، للصوص وتجار الدم، للعصبيات والتخلّف والجهل؟
- وكيف نواجه بلدوزر إرث الاستعمار والإخفاقات المتعاقبة لمحاولات بناء دولة، والحروب الأهلية المتوحشة والسرقات التاريخية والمنتمين فقط إلى جيوبهم؟
لم يجب. أحزنها صمته. لماذا تعتبر الأمل تفكيراً طفولياً؟ في كل ثورة حلم ساذج، وهذا الحلم تحديداً هو النور في آخر النفق، هو الخلاص الذي يستحقّ القتال لأجله.
ثارت على صمته الآني وصمتها شبه الدائم، فسألت:
- متى تأخذني إلى اجتماعكم المقبل؟
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024