تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

سِتار

ماذا يبقى من بيوت مات أصحابها؟ لاحظتْ في الصورة ما بقي من بيت السجينة التي اشتهرت في قريتها وقرى الجوار. هي جدّةُ أعزّ صديقاتها. تركت زوجها الذي رفض أن يطلّقها، وقررت أن تعلّم نساء القرية.
قرأت لهن الشعر واستمعت إلى قصصهن. أتينها بمشكلاتهن التي حاولت حلّها. يقصدن غرفتها في بيت والدها ويسألنها، وهي تجيب.
أصبحت بمثابة زعيمة روحية وطبيبة نفسية قبل أن تُمنع نساء القرية من زيارتها، ويُقرَّر أنها سجينة محكوم عليها ألا تغادر الغرفة التي اختارتها مساحةً لزعامتها.
تقرّر أيضاً أنها سجينة زواجها الذي تجرأت على رفضه، وسجينة خروجها من الدور الاجتماعي الذي نُسج لها وورثته، ثم تخلّت عنه لتؤدي دوراً اعتُبر أنها تعدّت عليه وسرقته من أصحابه الرجال الأذكياء.

بقي من بيت السجينة باب وشبّاك «أصليان». الباب يتكئ على حائط. لا يُفتح ولا يُقفل بعدما أصبح مجرّد ذكرى.
خلف الحائط شجرة رمّان، كانت أغصانها تمتدّ نحو نافذة السجينة وتطلّ على ثريا الغرفة التي غطّت أرضها سجادة قديمة.
كانت أرض الغرف الصغرى مزيّنة بمربعات سوداء وبيضاء. لم تكلّل الستائرُ النوافذَ بل ارتفعت فوق مدخل البيت الخارجي.
كان البيت ساحراً، وكانت سجينته أجمل السجينات. لم يسأل أحد إذا كانت مظلومة. فما اعتُبر السجنُ في البيت عقوبةً تنفّذها امرأة ثائرة.
لكن كتبها أُبعدت عنها. وقد كان فراقها الكتب سجنها الأصعب. سُجنت في غرفة في بيت أبيها.
وسرعان ما انطفأت، وانطفأت معها أنوار البيت العريق في القرية.

ماذا يبقى من البيوت إذا مات أصحابها؟ بحثتْ عن الفسحة التي ترتفع عن الشارع وترفع البيت فوق درجات عريضة.
بحثت عن البهو الواسع بنوافذه الملوّنة، عن الليوان الطويل وصدى الهمسات المتردّدة بين جدرانه.
تذكّرت أن خلف شجرة الرمّان بركةً صغيرةً. بحثت عنها ولم تجدها. لم يبق من البيت سوى باب عريض وشبّاك زُخرفت قضبانه ليليق بالسجينة ويحرسها ويمنعها من الهروب.
ماذا يبقى من بيوت مات أصحابها؟

فسحة ترابية زارتها لتتذكّر البيت التاريخي الذي شغلت قصصه طفولتها وأثْرتْها. بقيت فسحة ترابية تحوّلت أطرافها إلى حديقة طبيعية.
لم يرث الفسحة أحد.
لم يحلّ محلّ البيت بيت أو جامع أو كنيسة. بقي من البيت باب وشبّاك وقصص حُكيت وتُحكى عن جرأة سيّدة ثائرة. لم تتراجع عن عنادها.
بقيت في سجنها تتأمل الستار الممزّق خلف نافذتها، والناس في الأزقة والأسواق يكملون ما بدأوه منذ آلاف الأعوام. يصارعون الوقت ويتصارعون.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077