تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

حسن عبد الله في 'ظلّ الوردة'

تفاجئنا البساطة، وهي أكثر قدرة على انتزاع الدهشة من المعاني المعقّدة. البساطة عميقة، قريبة وعميقة، وذكية أيضاً. هذا ما نتعلّمه من قراءة الكتاب الشعري الجديد «ظلّ الوردة» للشاعر حسن عبد الله (صدر أخيراً عن دار الساقي في بيروت).
نفاجأ وندهش لأننا نكتشف أنّ في عبارات ومعان نظنّها بسيطة وتحت سيطرتنا، سرّاً من أسرار الحياة.
هذا ما نكتشفه في كلمات حسن عبد الله. نكتشف أيضاً أن كلمة واحدة، الكلمة المفتاح، يمكن أن تتحوّل إلى قصيدة، وأن كلمات قليلة تحكي قصة الحياة وتعرض أحد ألغازها.

في «ظلّ الوردة» تأملات في الحياة والموت. يظهر الموت «ظلاً» للحياة، ويبرز في أكثر المشاهد حياة.ً  في «ظلّ الوردة» يقترن حزن الشاعر اللطيف بخفّة جميلة، خفّة تشبه البهجة، فيصبح الحزن واقعياً حقيقياً بعيداً عن أي شكل من أشكال المبالغة والتمثيل، هو ببساطة حزن ذو معنى.

وثمة باستمرار عودة إلى الطبيعة التي هي محرّك مخيّلة الشاعر ونبضه.
ثمة أيضاً حنين إلى أزمنة الهدوء الطبيعي، الهدوء البسيط. وربما وضوح الأسلوب الشعري يترجم الحنين إلى البساطة، الحنين إلى بساطة الحياة الذي يظهر في الشعر.

أما الوحدة التي هي إحدى «تيمات» الكتاب، فهي وحدة غير كئيبة لأنّ الشاعر يقدّرها بل هي «ظل» وجوده، وجزء منه ووجه من وجوه شخصيته.
لكن شاعرنا لا يكتب وحدته فقط ولا يكتب نفسه بالضرورة بل يكتب العالم باحثاً عن محرّك الأحداث مهما كانت «بسيطة».

كلّ معنى في «ظلّ الوردة» حقيقي، مصفّى، لا التباس فيه، ولا يحتمل تفاسير شائكة ومتناقضة.
فلأننا لن نقدر على مصارعة الحياة وعقدها يجب أن نتعامل مع أمور هذه الحياة على أنها أبسط مما تبدو عليه. ويُفضَّل أن نعترف بأننا كبشر «أبسط» من فكرتنا عن أنفسنا.

لقد جعل تأكّد الشاعر من «عبث الحياة» قصيدته أقصر. هذه قصائد مكثّفة وسريعة، فلا حاجة هنا للصور المختبئة داخل الصور، لا حاجة للأساطير، فلتكن المشاهد واضحة، والمواقف أيضاً.
وربما القصيدة هنا غير قصائد الشاعر المكتوبة منذ أربعين عاماً لأنّ الحياة، بالنسبة إليه، ما عادت تحتمل تعدد الاحتمالات، احتمالات المعاني.

كثّف الشاعر المعنى واختصر القصيدة، تخلّى عن حمولته وترك القضايا السياسية، و«القضايا الكبرى»، ترك التفاصيل التي لن تفيدها الكلمات ولن تغيّرها، ورحل في شعره إلى جوهر الإنسان. فكتب:

«هناك شيءٌ تمسك به الحياة
وتخفيه وراء ظهرها
ولن أتوقّف عن الكتابة
حتى أعرف: ما هو!»

وفي فصل بعنوان «حلم الحياة» كتب حسن عبد الله:
«رجلاي خائرتان
لدرجة أشعر معها
بأنني لم أعد قادراً
حتى
على مجرّد التقدّم في العمر»

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077