تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

'كاريزما'

«مشوار»

مضى أسبوع على استسلامها المطلق لواجبات الأمومة والعمل. في العادة تحارب كي تمرّر واجبات الرضا عن نفسها بين واجبات العمل والبيت.
لا تسامح نفسها إذا لم تكافح لتقرأ ما اختارت قراءته ولتكتب أيضاً.
لكنها أحياناً تستسلم حين تفكّر في أنها تحارب كي تفرض حربها هي. تحارب كي تكون الحرب اليومية حربها لا حرب الآخرين من حولها.

لا تشكو الآن. ما عادت تشكو، ولا تقول إنها ليست سعيدة بمسؤوليات المرأة «شبه الحديدية» التي تريد أن تنجز كل شيء بين الاثنين والأحد.
يجب ألا تنسى هذه المرأة أيضاً ألا تهمل مظهرها، وألا تقصّر في واجبات اجتماعية أساسية أوسع من نطاق عائلتها الصغيرة، من تعزية وتهنئة وزيارة مريض.

تفكّر خلال فسحة الحرية الصباحية قبل وصولها إلى العمل في أنّها تخوض حروباً يومية، وأنّ تلك الحروب تنهك جسمها، وفي شكل أساسي، عقلها وضميرها.

في الطريق بين البيت ومركز عملها تفلت منها أحلامها وتتسلّل من نافذة السيارة إلى فوق، إلى حيث تصبح غيوماً. تتأمل البحر وتودّع مباني المدينة التراثية قبل أن تُسحق وتُفتّت.
تفكر في ما لم تنجزه وتبتسم. ثم تكرّ الشكاوى وتنطلق المحاكمة والمحاسبة في حوارها الصامت مع نفسها. تحاسب نفسها وتحاكمها.

يحدث كلّ هذا بعد اقتحامها السيارة صباحاً. تضيع في المشاهد المتكررة وفي صمتها الصباحي المريح. هي الطرق نفسها، عرفتها منذ بدأت حياتها البيروتية.
هنا ولدت وهنا أنجبت ولديها، هنا درست، وهنا دخلت صالة سينما للمرة الأولى، هنا جرّبت أن تدخّن لتقلّد من استمعت إلى «نظرياتهم الفلسفية والسياسية والعاطفية» خلال ما افترضت أنها أعوام نضجها. هنا كبرت وهنا تكبر.

لم يسكت الصوت المتسّلل من الراديو في سيارة التاكسي إلى عالمها الصباحي. تبحث عن البحر، فلا تجده. تغمض عينيها من تحت نظارتها الشمسية لعلّها تستمع إلى خيالها حيث تعزف أمواج البحر موسيقاها. ترى البحر تحت جفنيها. هكذا ينقذها البحر كلّ صباح.


شغف

تراقب صاحب المتجر الجديد في الحيّ. هو شاب نحيل جداً، وشعره طويل. تمنحه لحيته مظهر مثقّف نهكته هموم ثقافية. يعشق الشاب تلك المساحة التي هي دكانه الجديد. يبدو سعيداً متحمساً للحياة كأنّه نال مراده منها.
وهي تراقبه من النافذة فقط لتتفرّج على شغفه. وحين تتمشّى على رصيف متجره تستمع إلى غنائه مع الموسيقى وكلماتها، وتراه يهرول لمساعدة صبية سقطت حقيبة يدها وفرشت أغراضها أرض متجره. يساعدها ثم لا ينسى أن يطرح تعليماته هنا وهناك لموظّف لا يشاركه السعادة بالأعمال التجارية.
تريد أن تصل إلى مستوى رضاه عن أيامه، وأن تسأله إذا كانت الكاريزما تُكتسب. تودّ أن تتعلّم الكاريزما ليكون لها نوع من التأثير في الآخرين.
حاولت أن تقترب منه لكن ابتسامته أحبطتها، ووعدت نفسها بلقائه يوم تخفّ حماسته قليلاً كي لا يكون الحوار بينهما مستحيلاً.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077