شجرة التوت

البيت كبير، كأنه مدرسة أو سجن. البيت سجن لبعض سكانه. كانت البيوت كلّها سجوناً لنسائها.
البيت كبير، تزيّن واجهته قناطر وألواح زجاجية ملوّنة. تكاد أغصان الشجرة الوحيدة القريبة من مدخله تعانق نافذة الغرفة العلوية، غرفة ضيفة البيت الدائمة وسجينته.

بعد عبور مدخل البيت الرئيس، إلى اليمين، يمتدّ ممرّ يصل البيت بجناح النساء. غرفة الجناح النسائي الكبرى واسعة وبنافذة واحدة وضيقة تطلّ على الحديقة الصغرى وتتسلّل إليها شجرة توت صلبة ورقيقة مثل نساء البيت.
هي غرفة استقبال تتحوّل أيضاً إلى غرفة ملحقة بالمطبخ. تبدأ فيها التحضيرات للولائم الكبرى في المناسبات من أعراس ومآتم.
ينقسم نساء الغرفة إلى أربع مجموعات. وتشكّل كل مجموعة صفّاً من السيدات، ثم تتحرّك الأصابع والأيدي برشاقة على وقع القصص والمفاجآت والهمسات والأسرار.

أرض الغرفة مفروشة بأكثر من سجادة عريضة وبأرائك لا ترتفع كثيراً عن الأرض تسمّى «مساند»، ملوّنة بالأزرق والأبيض. تتلوّن أرض الغرفة أيضاً بألوان أزياء النساء التي تغطيها، الأحمر الأدكن والوردي الفاتح والأسود المطرّز بلون الذهب وغيرها من ألوان الدنيا المخفية تحت العباءات.
معظم أقمشة أزياء النساء مطرّزة بأشكال الزهور، وثمة جهة في الغرفة محجوزة للون الأسود الذي تتمسّك به كثيرات بينهن. كثيرات يتعلّقن بلون الحداد، وفاءً لمَن رحلوا من أقربائهن، وفاء للموت أيضاً، كأنّهن يتحضّرن لوداع الدنيا ومتعها.

لا تتوقف زوجة رئيس الشرطة عن الحركة في الغرفة الكبرى. تنشغل بالكلام وتكاد لا تنتهي القصة التي ترويها. وتنتظر الأخريات أن تنغمس صاحبة البيت في الطبخ لترمي سحرها في الطناجر وبين الأطباق. فالطعم الذي تنتجه يداها مشهور في المنطقة كلّها، حتى أنّ طعامها يزيح الحزن والغضب عن القلوب.

ليست غريبات ضيفات البيت اللواتي يشاركن في الطبخ، بل يطبخن للغريبات اللواتي سيأتين للاجتماع بالشاعرة الضيفة الأولى والدائمة التي أصبحت صديقة صاحبة البيت.
تأتي الغريبات، من بنات وسيدات ما تُسمّى الطبقة الراقية، ليتعرّفن إلى الشاعرة ويستمعن إلى قصائدها وخطبها.
واللواتي بقين مواظبات على زيارتها هنّ مَن ربّين وعياً لحرمانهن ما لم يكن يعرفن بعد أنها «حقوق».
وَعَيْن ضرورة المطالبة باحترامهن، وكان الاستماع إلى كلام الشاعرة بالنسبة إليهن اكتشافاً، اكتشاف أنفسهن وإنسانيتهن.

مقالات ذات صلة

خارج الصورة

عدو المرأة

هالة كوثراني