تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

لحظة الوعي الأولى

لطالما اقتنعت بأن أحلامها تخاطبها. تخاف من أحلامها، من الوردية بينها أيضاً. ما هي الأحلام الوردية؟ ربما هي أحلام لا تؤذي. هي أحلام غائبة، يزول تأثيرها مع لحظة الوعي الأولى.

ما إن تصحو تتذكّر أنّها وحدها. مات زوجها منذ عامين. تستعيد الحقيقة التي تأخرت في اعتيادها. مات رفيقها. في لحظة الوعي الأولى تسأل عن مكانها. هي في غرفتها.
المرآة على يمينها ولوحتها المفضّلة معلّقة على الجدار خلفها. نظارتها فوق الكتاب النائم إلى جانبها.
الكتاب يحرسها لكنّها بسبب مرض عينيها ممنوعة من القراءة، ممنوعة من تحمّل وحدتها وفهمها، وممنوعة من استنتاج الأسئلة.

رأت في حلمها الشاعرة المقتولة منذ قرن ونصف القرن. رأتها في زيّ غني بالأقمشة، ألوانه دكناء، ومطرّز بالخيوط الذهبية.
وكانت في الحلم تراقب الشاعرة من بعيد، وترسل إليها نظراتها فقط، وهي تتنقّل بين ثلاثة بساتين.
كانت العجوز ثابتة مكانها بينما الشاعرة تتنقّل بحريّة وخفّة بين بستان وآخر، وبين حلم وآخر، وبين كتاب وآخر. تركتْها هناك في أمكنتها كلّها، وصحت. تركتها حيث وقفت في كتاب قرأته لها صديقتها.

منذ اكتشفت الشاعرةَ هي وصديقتها، أصبحتا تلتقيان كلّ يوم. تجتمعان ثم تبحثان عن أخبار الشاعرة في الكتب والمقالات.
وصديقة العجوز هذه ليست صديقتها تماماً. هي صبية ناضجة أضاعت حبيبها، تركته يطير من داخل عينيها.
حكت الصبية قصّة حبّها الضائع للعجوز في لقائهما الأول. وكان ابن العجوز قد طلب من الصبية أن تقرأ لوالدته وتمضي معها بعض الوقت.
كان سعي الابن إلى تقريب الصبية من أمه محاولة لتخفيف إحساسه بالذنب تجاه الأم بسبب غيابه المستمرّ  عنها.
وقد وجدت الصبية في الطلب فرصة لزيادة دخلها والتعرّف إلى عالم امرأة طالما سمعتْ عن ثقافتها العالية وجرأتها وعن قصة حبها لزوجها الثاني الذي غاب قبل عامين.

المسافة بين العجوز والصبية مثالية. فلم تنهل العجوز على الصبية بقصص ماضيها مثلما يمكن أن تفعل امرأة وحيدة، وما بالغت أيضاً في صمتها.
كانت متعاونة مع فضول الصبية الذي يمكن اعتباره محترماً. والاحترام أجمل ما يطبع علاقتهما. ثمة بينهما أيضاً إعجاب متبادل.
الصبية المفتونة بأناقة العجوز تقبل بنصائحها المتعلّقة بالمظهر وضرورة الاهتمام به. «ليس عيباً أن تبحثي عن نظرات الإعجاب، أن تنحتي أسلوبك الخاص بك وتحتفظي به».
فلا تتخلّى العجوز عن أقراط أذنيها قبل استقبال صديقتها. أحمر الشفاه أيضاً يقف إلى جانب زجاجة العطر وصور ابنها وحفيدها.
تجمعهما قصة الشاعرة التي تكتشفانها معاً. تنتظر العجوز أن تكمل لها الصبية قراءتها. هكذا تتحوّل الصبية إلى شهرزاد جديدة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077