مفاجآت قديمة
غابت الدهشة. ما يخيف فعلاً هو أن الصدمة غابت. لقد كبرنا. وأصبح التخلّص من المرارة مستحيل. كيف ما عادت القدرة على العنف تصدمنا؟ نحتاج إلى الصدمة لأنّها حين تمتزج بالحزن على البلد وعلى أنفسنا، تخفّف أذى تأثير هذا الحزن في أجسامنا.
كبرنا ولم تتغيّر المشاهد. لكن الصدمة غابت، صدمة أن تنقلب الدنيا بكبسة زرّ، أن نكتشف هشاشة الحياة حيث اخترنا البقاء، حيث ولدنا.
كبرنا ولم يكبر المحرّضون. التحريض مهنة ورّثوها لأبناء أجيال مختلفة.
كلّ ما يمكن قوله قيل من قبل. مشاهد العنف نفسها تابعناها وعشناها من قبل، نعرف تفاصيلها، نعرف كيف تبدأ وكيف لا تنتهي.
لكننا في الوقت نفسه ندرك أننا لا نعرف شيئاً، أن اللعبة بدأت وأننا الكرة المغفّلة.
ونحاول أن نفهم، لكن كيف يُفهم ما ليس منطقياً؟ كيف تُفهم فوضى الرغبات؟ هي رغبات في السرقة والقتل لأجل السلطة، أو رغبات في استعادة الكرامات المهدورة من قبل أن تولد، كلّها رغبات غبية، ندفع أثمانها.
ألم يستمع المسلّحون الجدد وغير الجدد أيضاً، على اختلاف انتماءاتهم، إلى قصص آبائهم؟ ألم يسألوا عن أسباب التناقضات التي تتحكّم بالبلد؟ ألا ترنّ كلمة «الحرب» في آذانهم خمسين مرة في اليوم الواحد؟ ألم يرثوا ذاكرة تعاني صوراً ومواقف مرعبة؟ ألم يتعلّموا الدرس؟ ألم يخبرهم أحد بالدرس الذي يجب أن يتعلّموه من آبائهم وأجدادهم؟ يمكن استنتاج أنّ ما يشجعهم على التمسّك بالسلاح هو أنّ الدرس الذي دفع الوطن ثمنه، لم يدفع ثمنه مَن كانوا أبطال الحرب والمحرّضين على تأجيج نارها، بل هؤلاء كوفئوا في زمن السلم وقطفوا أعلى المراكز في ما سُمّيت وتسمّى «الدولة» وحصدوا الثروات.
هذه النماذج تدفع بعض الشباب إلى الاندفاع نحو اختيار صناعة الحرب والمتاجرة بها.
أليست النماذج المتمسّكة بمناصب الدولة والزعامات مغرية؟
كلّ ما يُكتب هنا قد كُتب من قبل، كلّ ما نعيشه من ويلات يومية ومفاجآت قديمة، قد عشناه من قبل. نأسف الآن لأن يعيش أولادنا ما عشناه نحن، أن يختبروا في طفولتهم التفاصيل نفسها التي طبعت طفولتنا، من مفاجآت صباحية عنيفة وأزرار تتحكّم من الخارج بأزرار أخرى تتحكّم عن بعيد بحيواتنا التي تعبنا لبنائها، تعبنا ونتعب الآن لنربّي أولادنا في فقاعات غير طائفية ومثالية، في بلدٍ الطائفية فيه تجارة، فإلى أين المفرّ الآن وقد ضاق العالم من حولنا وانحسرت الاختيارات؟
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024