تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

مفاتيح

لا شيء من مفاتيحها السبعة المعقودة في ميداليةٍ فضيةٍ تحملُ صورةَ قصر الشونبرون في فيينّا يحملُ خلاصها. تستأنس بصوت الرنين الصادر من حقيبتها الغالية (هديتهُ في عيد ميلادها) حين تصطدمُ مفاتيحها بعلبة العطر الفاخرة (هديتهُ في عيد الفطر) أو هاتفها النقال (هديتهُ في رأس السنة). يرنُّ في تاريخها صوتُ أمانها الاول وسكينة لطالما حملتها لها سلسلةُ مفاتيحٍ سحريةٍ تدور في الباب الخارجي لمنزل طفولتها المغلق عن أم غاضبة، مُستَنفَدَة، تصرخُ بلا توقف.

 تلمح نفسها في الثالثة من العمر تحشر جسدها الصغير المرتعش بين شقيقتيها كالساندوتش بينما يتلقين وابلَ العبارات الهادرة التي تقتات على طمأنينتها بوحشية. يجلسن واجمات ما ان تصفق والدتهن باب غرفة النوم خلفها يُحدقن في شاشة التلفاز بصمت مطبق. ثم من حيث لا تدري ينساب الرنين المُنعش الى روحها، يغمر جنبات نفسها الصغيرة التي اصبحت تمتهن القلق كبالغ. تدير رأسها الى حيث باب الخارجي للشقة ينفرجُ شيئاً فشيئاً عن وجه والدها المنهك عائدا من العمل فيشرق فجأة كل شيء.  تتغير الصورة في ذاكرتها تماماً في تكنيك إخراجي غير مبرر. تبدو الأشياء مضيئة وملونة كقوس قزح. ترى نفسها وقد علت ضحكاتها تستسلمُ لاعصارٍ من الحُب. تعلو بصخب لا ينتهي حتى لتكاد تلامس السقف ثم تهبط الى يديه الكبيرتين الآمنتين وسط هدير من الضحكات الصغيرة كأن لم تعرف الا الفرح. يمدُ لهن عُلب الشوكولاته الرخيصة ثم  ينصرف الى غرفته ليستحم، فتُقرّرُ من يومها أن البهجة هي علبة سحرية يحملها اليها رجل!

«اختاري»

تدير خاتمها المثقل بالاحجار الثمينة (هديتهُ في عيد الحُب) بينما تُلقي نظرة عاجلة على ثروة من الساعات المعروضة أمامها. تتأمل الأوجه الدائرية والمستطيلة، الكبيرة والمتناهية في الدقة. تسحب احداها عشوائيا و تمدها له بلا مبالاة. 

يتهلل قلبه العاشق و يسحب محفظته من جيبه فينساب فجأة صوت مفاتيحه متسلللا الى روحها بردا وسلاما. تستسلمُ لهبات التاريخ العبقة بصور وأصوات وروائح جعلتها ماهي عليه اليوم. يلتفت اليها محاولا الباسها الساعة فتسحب يدها بسرعة،  تنظر اليه بامتنان يعجز عن فهمه وتقول:

«لا.. غلّفها وفاجئني فيها بكره».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077