حٌب موقوت
«صدقني، أنا أقول لك من تجربة»
يستغرب رنة الاخلاص العميق في صوتها ولا يجيب.
«الحب الحقيقي هو اللي يجي بعد الزواج»
تصمت قليلا ثم تضيف بلوعة:
«صدقني».
تفتح عينيها بتضرع (...) هو سِمة الصادقين جدا من البشر أو الكاذبين جداً. يتشاغل بالطقطقة على هاتفه النقال مُدعيا الاستجابة لرسالة هاتفية مزعومة مخفيا ابتسامة مُغرقة في الذنب ووجهاً لطيفاً كان ليُفقد تلك المخلصة صوابها لو لمحته منقوشا في قلبه.
«بتشوف بنات كثير وبيعجبونك بنات كثير بس الحب الحقيقي ما راح تعرفه الا بعد الزواج».
تدير وجهه اليها مقتحمة بفجاجة عينيه الواسعتين البنيتين كالتمر فيشعر بها تنفذ الى روحه، تجول بريبة مجنونة بحثا عن اثر (ما) تعرف يقينا انه موجود ويُريحُها جداً أن لا تتكبد فجيعة العثور عليه ونقل خبره الى والدتهما القابعة في حجرتها تنتظر بشرى البراءة .
«صدقني..»
يضحك بارتباك ولا يجيب.
يستغرب ولاءها الاعمى للتجربة الوحيدة التي عرفتها يوم (زفّوها) قبل خمس أو ست سنوات الى ابن خالتهما اللطيف. لعب يومها دوره كشقيق للعروس بكل اخلاص و رقص مع شباب العائلة منتشياً بالنظرات اليافعة المُحتجبة خلف خُمرٍ تظهر من زينة العرس أكثر مما تخفي. لم يعنه وقتها وقد انهكته هرمونات المُراهقة التوقيت المناسب للحب. لم يفكر هو يدور بقلبه الخال مزهواً بعنفوانه بقنابل من ولع ستخسف زهوه وغروره، وستقوده راضيا الى حيث الخضوع أقدس الف مرة من الممانعه.
كيف يمكن أن يشرح لتلك المرعوبة من غزو عاطفي مفاجئ بأن الحُب قنبلة فعلا ولكنها ليست « موقوتة» على الاطلاق. أولئك اللطيفون الذين يربطونه بمواقيت تحفظ لهم حق السيطرة ليسوا سوى طغاة مهووسين. قد يدركون هشاشة جبروتهم ما أن يدّ كهم على حين غرة حُب مفاجئ لم يظهر في خريطة الالغام التي زودهم بها رجال الكاسيتات في ثمانينات القرن الماضي. وايدها المجتمع في تواطؤ مُريح لا أكثر.
«اذا قررت تتزوج نختار لك أحسن بنت أنت بس أعزم».
يبدو له الاختيار ترفا لا يملكه قلبه الخاضع لاستيطان جائر ولذيذ. يعي مقدار النكسة التي ستُمنى بها جميع اشكال الاتفاقات التي جاءت تحملها على طاولة المفاوضات بالنيابة عن والدته وباقي شقيقاته. وبلذة لا يدري سببها يلتفت اليها ويفتح النار.
«لا يمكن أن يختار من تم اختياره، أنا فعلا مُغرم».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024