تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

الحفرة في وجهها

أصبحتُ أقرأ أكثر فقط كي أرضيها. أقصّ مقالات من المجلات وأتابع مواقع إلكترونية ما كانت تهمّني لعلّي أجد ما يلطّف معنى انتظارها. ماذا تنتظر امرأة في سنّها؟ تقول إنها تنتظر ولا تشرح أو تحدّد ما الذي تنتظره.

بعد وصولي انتظرتُ أن تتوقّف الموسيقى. كلّ ما في غرفتها ملوّن بالأخضر. تلاقيني بابتسامة. لا تتعب من الابتسام. أنا أتعب، لكنني أبتسم. آتي إليها مشتاقة إلى «جوّنا»، إلى حكمتها الساخرة في صمتها وفي ثرثرتها. أيختلف ما تنتظره عمّا أنتظره؟

يجمعنا فعل الانتظار. أجيب عن ابتسامتها بصمت. فابتسامتها سؤال صعب. ماذا عن الآن؟

أهرب إلى الملاحظات. أستغرب أن تبقى رموشها واضحة إلى هذا الحد في هذا العمر. أنقل إليها ملاحظتي، فتتغزّل برموشها، تحكي عن كثافتها السابقة، عن سماكة الرمش وسواده الأصلي، عن جمال عينيها من دون أن أحسّ بخجلها الثمانيني الذي أعرفه.

أهرب إلى القراءة، ألَم أزرها لأقرأ لها؟ تحبّ أن أقترب منها قبل أن أبدأ القراءة. دوماً أتخيّل أننا قريبتان من البحر، أننا سنلمسه، أتكون هي البحر الذي أشعر به؟ أتكون أعوامها ما أنتظر، وحياتها التي مضت حياتي التي لم أعشها بعد؟

تطلب مني من دون خجل أيضاً ألا أكرّر كلماتها كلازمة أغنية قديمة. تضحكني ملاحظتها. نقفل الباب على سرّنا. أُخرج من حقيبتي صور الشاعرة المطبوعة على ورق رخيص. تبدّل صديقتي العجوز نظارتها، تحاول أن تتأمّل ما يمكن أن تسمّيه تفصيلاً ولا يمكن أن يظهر في نسختي هذه من الصورة. مَن يعرف إذا كانت الصورة قريبة من الحقيقة؟ مَن يعرف إذا كانت المشاهد التي نعيشها صوراً لحقائق لم ندركها بعد؟ تقبل صديقتي بالصور الورقية، تلمسها على مهل وتبتسم.

اكتشفنا الشاعرة معاً. وما كان اسم الشاعرة الشهيدة غريباً عني، وقد كانت موسيقاه ترافقني، لكنني لم أعرف عنها ما يكفي لتغيير أيامي.

انطلقنا في رحلة معرفتها معاً، صديقتي العجوز وأنا. ما عاد الوقت ثقيلاً. لا نقرأ ما سبق أن قرأناه، لا ينتمي ما نكتشفه إلى معارفنا القديمة المتراكمة أو ما تبقّى منها. ما نقرأه اكتشاف يسمح لنا نوره بأن نحدّق إلى حياتينا، وإلى ماضي صديقتي العجوز الجريئة واختياراتها. نريد أن نصدّق ما نقرأه عن حياة الشاعرة، نريده أن يكون الحقيقة كلّها. أصبحت غرفة صديقتي عالمنا، غرفة ننطلق منها إلى الماضي الواسع بأبوابه و«نوافذه المطلّة على أفلام رعب» كما تقول العجوز. ثم تخبرني أنها حلمت بالشاعرة. «يمكن أن تحلم امرأة في سنّي بامرأة ثائرة. كلّ ما قرأته كان قد كُتب من قبل، واكتشاف هذه المرأة في أيامي الأخيرة أيقظ رغبتي في البقاء بإيقاظ فضولي».

من حفرة في وجهها الثمانيني انطلقنا. أخذنا الماضي إلى ماض أبعد منه. لم تغطِّ رأسها. يتحدّى شعرها الأبيض القصير انتظارَها الذي لن يكون طويلاً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077