تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

معلّمة الانتظار

تعيش لتنتظر. منذ طفولتها تنتظر أن يأتيَ مَن ينقذها. ولا تقصد مَن يسمّونه فارس الأحلام، لأنّها بعدما تزوجت مَن أحبّته لم تتوقّف عن الانتظار. يسكنها دوماً قلق الانتظار. تنتظر ما أو مَن يقلب حياتها، يقرّبها ربما إلى تاريخ تجهله ثم يركض بها إلى الغد.
وهذا الانتظار غير مرتبط بها ولا تعرف أن تسعى إلى حدوثه. سيأتي من بعيد، من الخارج، من إيمانها القديم بفكرة العدالة التي لا بد أن تسود.
وهي في حياتها دفعت أثماناً هائلة. أيّ عدالة؟ تسأل نفسها وتصرّ على الانتظار، لا بد أن يحدث ما يجب أن يحدث، عندها سيتغيّر عالمها إلى الأبد.
تفكّر في كل هذا وهي تبكي في حمّام المعلّمات في المدرسة. تبكي سرّاً بعد هزيمتها في معركة يومية تنفجر بينها وبين بعض التلامذة. تخسرها دوماً هذه المعركة. لكنّها تنهض أقوى. هذا ما تعلّمته أيضاً من فَقْد زوجها المبكر.
وقد ظنّت أنها لن تتجاوز المصيبة وتجاوزتها حتى أنها نسيت الرجل الذي تزوّجته في سنّ صغيرة لم تسمح لها بأن تعرف غيره.

تُعلّم اللغة العربية في هذه المدرسة منذ سبعة أشهر فقط. ما زالت تحسّ بالبرد كلّما وصلت إلى المدخل الرئيس حيث يدخل التلاميذ بهدوء لا يمكن أن يكون طبيعياً.
يدخلون بهدوء غريب لم تجد له تفسيراً. ففي صفّها تعلو أصوات البعض قبل أن تسعى هي إلى السيطرة على الأمور. إلى يمين الباب الرئيس درجات توصل إلى مكتب المديرة، وإلى يساره درجات تؤدي إلى فسحة كبرى هي ملعب التلامذة الأساسي.
تضيع صباحاً بين روائح العطور والسندويشات المختبئة في حقائب زميلاتها. وتضاعف التماثيل المنتشرة في الأروقة الداخلية شعورها بالبرد. متى يخفّ برد الربيع هذا؟

تشتاق إلى المساحات المفتوحة في المدرسة القديمة التي علّمت فيها. كانت سعيدة هناك، مرتاحة في جوّ من الحرية المشجّعة على حبّ الحياة. كان يكفيها أيضاً قرب المدرسة من البحر لتحسّ كل يوم صباحاً بأنها يمكن أن تنسى قلقها. لكنّها تركت تلك المدرسة لتتبعه.
كان يجب أن تتبعه. عرّفتها إليه صديقتها حين التقيتا به مصادفة في مقهى غالباً ما تتناولان فيه طعام الفطور. قرّرت أنّه يناديها، وخطّطت للانتقال إلى المدرسة التي يعلّم فيها. خطّطت بهدوء ونجحت خطّتها.
تسمع عنه الكثير من التلامذة الجدّيين، عن شغفه بالسينما وجرأته في إهمال البرنامج المقرّر في المدرسة لخوض نقاشات فلسفية لا تنضوي تحت العناوين الكبرى المقرّرة.

خلال سبعة أشهر لم تتقرّب إليه، ما زالت تنتظر أن تهبط المفاجأة عليها، تعرف أنها ستهبط، وفي الوقت الضائع تنتظر.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077