تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

صندوق النوم

 

يدقّون الهواء. ماذا يدقّون؟ تساءلت. صوت الدقّ لا يفارقها. تتنافس الطَرَقات على قتل الهدوء الصباحي. اليوم فقط لم تهتم ومضت على تنفيذ مهمّتها. اشترت صندوقاً كبيراً.
اشترته من جارها بائع الأدوات المنزلية الذي أخذ الصندوق من محلّ البرادات في الشارع الخلفي. تتسارع الطَرَقات وتسارع هي إلى حمل الصندوق الكرتوني إلى شقتها. وضعتْه في الشرفة ثم أدخلته سريعاً إلى المطبخ.
يمكنها بسهولة أن تجلس فيه، وأن تصبح حافاته الكرتونية جدران بيتها. يمكنها في داخله أن تغمض عينيها وتنام.
فكرت في أن الصندوق سيحملها أخيراً إلى عالم النوم، أو أنها ستغري النوم بالاختباء معها داخل الصندوق، فالنوم أيضاً تائه وفالت، لم يعرف طريقه إليها بعد. يحتاج النوم من وقت إلى آخر إلى أن يبتلعه صندوق.

أسباب عديدة تجعلها تبحث عن صندوق، أحدها هوسها بالصندوق الأخير الذي سيحملها إلى مأواها الأخير. أحياناً حين تفكر في الصندوق هذا تقرّر أن صوتاً غير صوتها الداخلي يحرّك أفكارها ويدفعها نحو ما يعتبره أهلها والآخرون جنوناً.

حملت الصندوق الكرتوني إلى المطبخ وحضّرت لنفسها فنجان شاي لتحمله معها إلى داخل الصندوق. وضعته على حافة الطاولة قبل أن تدخل الصندوق ثم وقفت لتحمله بين يديها برفق وحنان ثم تجلس القرفصاء في صندوقها.
تنفّست، تنهّدت، أخيراً أحسّت بالأمان. فكرت في أنها في مرات مقبلة ستحمل معها نصف جريدة، صفحات المنوّعات والألعاب، نعم، وستحمل قلماً أيضاً وتجلس في هدوء صندوقها.

رنّ هاتفها النقّال، هبّت في ردة فعل أولى للبحث عنه ثم عادت إلى وضعيتها في الصندوق. توقّف الرنين عن مناداتها. كيف لم تفكر في أن تحمل الهاتف إلى الصندوق؟ لا تريده، قررت أنها لا تريده في صندوقها.
ثم كان عليها أن تستأنف حياتها، أن تدخل الحمام وتضع ثيابها في الغسالة. نهضت، وحين خرجت من صندوقها، اشتاقت إليه.

أحسّت بسعادة طفيفة لأنها نفذت أخيراً فكرتها، عانقت الصندوق من الخارج وتجوّلت في البيت وهي تحاول أن تتلاعب بترتيب مهامّها المنزلية. بعد أن تنتهي ستعود إلى كلمات الكاتب الذي تنبّأ بحياتها.
فكرت في أن العالم فارغ وأن عليها هي أيضاً أن تملأه بالكلمات. العالم بلا مأوى، وعليها أن تضعه في صندوقها. خافت لأنّها كلّما برقت فكرة في رأسها سالت دماء. هذا هو العالم، تمتمت، وعادت سريعاً إلى صندوقها.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077