تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

منازل من وهم

كلّ منا يبني لنفسه منزلاً من وهم، لكنه منزل صلب متين. أعرف ما يجري خارج منزلي، لكنني لا أتجاوز حدوده للمساعدة أو حتى لإعلان التعاطف مع كوارث تقضي على بشر مثلي زملاء في الإنسانية أو مواطنين أتشارك معهم الأكذوبة نفسها، أكذوبة الوطن.
أتعاطف من داخل منزلي المصنوع من فولاذ، أستنكر من الداخل أو أتجاهل كلّياً كل ما يجري في منازل أخرى أو في المساحات المشتركة والساحات المشتركة أيضاً. لا تقترب المنازل من المنازل إلا افتراضياً.
ابقَ مكانك، اخترع الحقيقة، حقيقتك أنت، حقيقة مزاجية خاصة مريضة أحياناً، هي الحقيقة التي تريدها أنت، «فَبرِك» الخبر، «فَبرِكه» على قياس معرفتك وحسب وقتك، وصدّقه.
هذا ما تريد أن تعرفه، وهذا ما ستدفع مقابل معرفته، أو تدفع لأنّ معرفته تلائمك وتناسب جدول مواعيدك أو وقتك المجنون. «فَبرِك» الخبر، وابقَ مكانك، طِر وأنت في مكانك.
ولا تقترب من منزل غيرك، حارب من منزلك الصلب إذا أردت أن تحارب، وتعاطف افتراضياً، إذا أردت أن تتعاطف، مع حروب وكوارث تحصد جيرانك في البلد القريب أو في البلد نفسه، في المبنى المجاور أو في المبنى نفسه، المبنى الذي تسكنه.
وابقَ هناك حيث أنت صديق وحدتك غير الافتراضية. وحدة إنسانيتك هي الحقيقة الوحيدة. أتدرك ذلك؟ (هذه اللغة تحيّرني دوماً بين مخاطب ومخاطَبة، لغة في عمقها أنثى وعلى السطح عنادها ذكوري).

من منازلنا المحاصرة بالأخبار الفولاذية رأينا الركام، ورأينا تحته ركام مؤسسات بائدة، حطام دولة مومياء، دولة طفلة مومياء. لا نريد أن نعرف شيئاً إلا قصص الضحايا، وجوه المسحوقين بالظلم والجشع والجهل.

نعرف كلّ شيء، لمَ انهار المبنى ولمَ ستنهار مبان غيره، وقد سبق أن ثرثرنا، أكانت مجرّد ثرثرة شكاوى بعضنا من الجرّافات التي تأكل بطن المدينة وتسحب منا الهواء؟ أهي مزحة السخرية من غياب التخطيط واعتبار أن الغد لن يأتي؟ تكلّمنا بأصوات منخفضة، هل اكتشفنا قبل غيرنا أن لا جدوى للصراخ؟ ماذا لو صرخنا وشتمنا وأكلنا بأسناننا المسؤولين عن دمارنا؟

نفكّر في أنهم لا يفكّرون، سمحت لهم أطماعهم بأن تكون لهم أطماع أكبر تحرّكهم، وتحميهم الطائفة من دون أن تحاسبهم على الجهل وإهمال القوانين وأيضاً إهمال تطويرها.

هي القصة نفسها منذ البداية، قصة الجهل الذي يبني دولاً ومؤسسات رملية، وهو نفسه يسرق الثورات. الشرخ قديم ويتسع.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079