تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

وقت ضائع

سألني وسجّل أجوبتي على ورقة. خطّ كلمات غير مفهومة وهزّ برأسه. وأنا شربت قهوتي كلّها، لم أحاول أن أفهم ما يكتبه، لم أتلصّص على كلمات دوّنها سريعاً ملخّصاً عبرها أجوبتي الطويلة.
لم أكن مرتاحة، كنت مستسلمة لثقل دمه. هو الصوت، ما زلت مؤمنة بقدرة الصوت على التعبير عن الروح.
يفضح الصوت شيئاً من شخصية صاحبه، ومن روحه. ولبعض الأصوات «كاريزما» تمنح أصحابها جاذبية تقرّبهم من عقول محاوريهم وأحياناً من قلوبهم.
لا «كاريزما» لصوت هذا الرجل الذي جلس قبالتي وفتح دفتر الأسئلة.

بقيتُ جالسة قبالته. تمسّكتُ بقهوتي وبالوقت حين لا يسرع، يمكنني دوماً أن أتذرّع بالوقت. كانت تمطر في الخارج. أحياناً ترفض الأرواح أن تلتقي، بل تتنافر ويعجز الوقت عن المصالحة بينها.
لم تلتق روحانا، كنت مهتمّة بالمطر وبالضوء الذي يغيب، ثم كان عليّ أن أقاوم رغبتي في اختراع قصة كاتبة أخرى، قصة ليست قصّتي.
وهو قال إنه يريد أن يستمع إليّ، وقد كنت جاهزة للهذيان في لحظات تسلّل خلالها التعب إلى روحي، تعب يوم طويل، تعب حياة تصارع للسيطرة عليّ وأنا أصارع للسيطرة عليها.

انتهى دوام العمل قبل أن يبدأ لقائي بالرجل. بعد قليل سيبدأ دوام آخر. تكلّم، فتكلّمتُ. ثرثرتُ وكعادتي لم أكن واضحة تماماً. ولمَ أكون واضحة؟ وما الوضوح أصلاً؟ وما الذي يغري فيه؟ بعدما ودعته، مشيت وأنا أستمع إلى وقع خطواتي على الأرض المبلّلة، وأعانق البرد بخفّة.
أخيراً وجدت نفسي في مساحة الوقت الضائع. يمكنني أن أتبنّى هذا الوقت الضائع، يمكنني أن أدّعي أنه لي. أسعدتني الفكرة، وفي اللحظة نفسها، لحظة ولادة ابتسامتي الخفية، نسيت وجه الرجل الذي قابلته للمرة الأولى منذ دقائق فقط.
نسيت وجهه تماماً. وحاولت خلال نزهتي القصيرة أن أتذكّره، أن أعيد إلى ذاكرتي ملامح وجهه، ولم أستطع. ابتسمت مجدداً، وأكملت طريقي نحو السيارة وأنا أسلّم تعبي لهواء شتوي منعش.
لم أتذكر الوجه لكنني تذكرت الإحساس، كأنني كنت في نفق، ربما كانت روحي تتعارك مع روح الرجل بصمت. ربما روحي انتصرت ومحت وجهه من ذاكرتي. تمسّكت بتحليلي الطفولي ومشيت نحو السيارة في نهاية يوم لا بأس به.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077