تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

3 أيام مسروقة

أخيراً نجحت، لم أنو التحدّي، هكذا بالصدفة، وجدت نفسي وحدي بعدما تهرّبت من فولكلور الاحتفالات بنهاية الأسبوع. ولم أتسكّع بين المقاهي والمطاعم وبين بيوت العائلتين.
لم يكن نتيجةَ ثورةٍ بقائي وحدي في البيت. مرضت، فنمت عشرين ساعة متواصلة. وللمرة الأولى سعدت بعجزي. احتجت إلى الشعور بأنني عاجزة واستسلمت براحة لرغبة في الاستسلام.
هذه المرة لم أصارع المرض، بدا لجسمي أنّ التعب أصعب من أن يتجاهله. قبلت هذه المرة بأنّ الوجع أقوى مني واستسلمت له. رميت قلقي كلّه خارج مناماتي وخارج صحوي المريض أيضاً.
ثم قررت أن أمرض أكثر. الألم تطفئه دمعتان أو ثلاث، لكن راحة الاستسلام له من وقت إلى آخر تستحقّ التضحية لأجلها. وليس مرضي أكثر من تعب، ليس مرضاً خطيراً، لذا يمكن أن أتكلّم عليه بوضوح، ويمكن أن أستغلّه وأسخر منه.

بقائي وحدي في هدوء غرفتي جعلني أنصت رغماً عني إلى أصوات الجيران في بيوتهم. وقد ورثت حاسة سمع قوية غالباً ما تغيظني، فأنا أخاف من الأصوات أكثر من غيابها.
أخاف من الأصوات التي لا يمكنني رؤية أصحابها أو أسبابها. ويكون عليّ تخيّل ما تقوم به جارتنا في الطبقة الثامنة أو جارنا في الطبقة السادسة لأفهم الأصوات ولا أفهمها بالضرورة. وأنا لا أريد أيضاً أن أتخيّل تفاصيل تزعجني.
ثمة أمر آخر أخافني في أيامي التي سرقتُها، وهو أن أقرأ كلمات كتبتها وتركت تقويمها إلى وقت لاحق. منذ صحوت من كهف مرضي أحاول أن أعيد قراءة ما كتبته. أحاول وأفشل. ما الذي يجعلني أخاف من كلمات كتبتها؟

لم ينادني أحد. لم يسألوا في البيت عني. طالما لم أنادَ لن أتحرّك من مكاني. خرجوا جميعهم، وبقيت وحدي. أعود إلى كلمات كتبتها وأعجز عن قراءتها. تبدو لي قراءتها فرضاً يستحيل القيام به.
يمنعني وجع في معدتي من مواجهتها خشية الإحساس بالفشل وإدراك ضرورة التخلّي عن كلماتي تلك.

صفّقت للنوم يوماً، يومين، ثلاثة، ثم خرجت من نومي بالقوة، كان عليّ أن أخرج منه. لا أمتلك سلطة أن أقرّر ما يمكنني أن أفعله بأيامي، أن أنام أو أن أصمت اليوم كلّه أو أن أختفي. هذه الأيام الثلاثة خطفتها بالصدفة.
في العادة أنام ساعات طويلة حين أعجز عن تحمّل إحساس ثقيل بالشقاء. متابعة ما يحدث في البلدان العربية التي غيّرت إنجازاتها "الثورية" نظرتنا إلى أنفسنا حتى صدّقنا أنفسنا، لا تمكن مواجهتها إلا بالنوم.
يمكن أن يكون الضحك ردّة فعل أولى على فكرة أن كلّ تلك الحماسة "شفطها" من لا يمكن أن نتحمّس لهم أبداً. نبكي ونضحك على حماستنا نحن مَن تفرّجنا من بعيد. أما مَن دفعوا الأثمان حيواتهم وعيونهم ومستقبلهم، فما الذي يمكنهم فعله؟

إذا سردنا الحكاية ببساطة ومن دون تفلسف أو مبالغة، إذا سردنا ما حصل منذ كانون الثاني/يناير الماضي وصولا إلى ما يحدث الآن، لا نقدر إلا على الضحك خلال أقلّ من لحظة طبعاً أو النوم ثلاثة أيام متواصلة، فما الذي يمكننا فعله الآن؟

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077