تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

انتظار

لا تريد أن تعود الشمسُ إليها. تريد أن تبقى الشمس متواريةً خلف غطائها الرمادي. ما أجمل لون الرماد وما أصعب الحسم. في الساعة الخامسة والدقيقة العشرين، لا تعلم ما الذي غيّر مزاجه.
كان يثرثر ثم صمتَ فجأة. كانا يقومان بما قيل لهما إنه جزء من تراثهما، كانا ينتظران. المساحة ضيّقة، يجلسان في الحيّز المخصّص لهما، في مقعد واحد مقسّم إلى ثلاثة كراس، مقعد باللون الذهبي. لا ينسجم لون الذهب مع تفاصيل المكان.
الجدران بيضاء خلف المقعدَيْن المتقابلَيْن، هما مقعدان طويلان مخصّصان للزبائن المرضى. وفي الخارج، خارج باب العيادة، في مساحة تشبه حديقة مشوّهة، ينتظر آخرون.
تجلس قبالتها فتاة لا بد أنها غير طبيعية، إذا أرادت التدخين خرجت إلى الشرفة الحديقة، ترتدي فستاناً يشبه فساتين النوم وتناضل لتمشي على رؤوس أصابعها منتعلة حذاء عالي الكعب.

لا يتبادلان الحديث، ينتظران. أما الصبية الملتصقة بالباب، فتلصق على أذنيها سمّاعتين، وتستمع إلى الحرب مغناة. تعرّفا إلى الكلمات والألحان المولودة في الثمانينات.
كيف تستمع الصبية إلى أغاني حرب لم تعشها؟ وهما كيف لم يتحرّرا بعد من الحرب وصعاليكها؟

يحدّقان إلى أنف السكرتيرة الصغير. تدّعي السكرتيرة أنها تعمل، تسقط رأسها في الأوراق ولا ترفعه. كيف يمكنها ألا ترفعه؟ كأنها هي أيضاً تغرق نفسها في «الانتظار» كي لا تواجه المنتظرين.
لكنها ترسل نظرة سريعة إلى رجل كلّما تحرّك سوّى ربطة عنقه. وبعد أن يسوّي الربطة يحدّق إلى قميصه الأبيض، ويرسم على شفتيه علامة استفهام يظنّها تعجب النساء. لعلّها تعجب السكرتيرة.

كمية العنف المتخيّل هائلة، معظم المنتظرين يحلمون بالهجوم على السكرتيرة التي حدّدت لهم المواعيد، مواعيد الانتظار.
هم مقتنعون بأنها ضحكت عليهم، وهي لا تصدّق متى تأتي لحظة هروبها من سجنها هذا، تحلم بأن يختفوا جميعاً حاملين معهم أمراضهم الوهمية وأوهامهم المرضية، تحلم بأن يركضوا في الشوارع مخترقين المساء الخريفي.

العنف المتخيّل أثقل الهواء الذي يتنفّسه المنتظرون، وهي تمسك بيد مريضها وتتخيّل وقوع جريمة في العيادة. أينما ذهبت تسكنها رغبة في أن توزّع الأدوار وأن تصحّح الأخطاء غير المقصودة.
مَن مسؤول عن ضياع وقتهما؟ تفكر في أن العالم في الخارج يشبه سجنها الآن في العيادة. ما الذي يمكن أن تقوم به غير توزيع الأدوار؟ دوماً تجد مَن يوقفها عند حدّها ويمنعها من تخيّل أنها تسيطر على مشاهد من حياتها ليست وحدها بطلتها.
يمكن أن ينهار عالمها في العيادة قبل أن يفتح باب الفرج ويدخلا ليستمعا إلى كلمات تبدو لهما سحرية ودقيقة. يصدّقان أنّ تلك الكلمات هي الحقيقة المطلقة. يتآمر الجوّ في العيادة مع الطبيب ويمنحه هيبة لا يتمتع بها بالضرورة. يستمعان إليه خائفَيْن ثم يخرجان إلى ليل ما عاد في أوّله.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077