تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

عين على الساحة

تخيّلتُ أنني في الساحة. طُبعت صورة للساحة على الستارة في غرفتي. ها أنا في الساحة وفي غرفتي في الوقت نفسه.
يسعدني الإحساس ببرد الخريف. تنقلني الأضواء وأصوات الثوّار إلى الساحة نفسها. قفزت من السرير إلى شاشة تلفزيونية حُفرت في الستارة في غرفتي. رأيت الغد في الستارة، رأيت الكلمات التي سأكتبها.
في اليوم التالي أيقظني الهدوء، هدوء الاحتفال بالاستقلال. ابتسمت ابتسامة أولى ليوم لا نفهم تماماً معنى الاحتفال به.
ضحكت ضحكة أولى لخطاب مَن يصدّق أنه «يحمي الاستقلال». لا أصدّق أن أصوات الجرّافات وماكينات الحفر في الأرض توقّفت احتراماً للاستقلال.
استغربت أن تتوقّف في شارعنا ورشتا السياسي المقاول حامي «حروب» ما بعد الاستقلال احتراماً للذكرى المجيدة. أقبّل الهدوء في الخارج. أقبّل الاستقلال لأجل الهدوء في الخارج.
وأجهّز نفسي ليوم خريفي جميل. أجهّز أوراقي وكتاباً أقرأ فيه التاريخَ، وأبكي بسلام. أبكي بهدوء أهداه إليّ يوم الاستقلال. ما الذي يحصل هناك في الساحة التي علّمتنا الأمل؟ أخاف على أصدقائي.
أبحث عن حقائق فايسبوكية وأتابع أخبار أهل الساحة. «انتبهي إلى نفسك» أقول لصديقة. ثم أخاف من أن يؤثر فيها جُبني، وأتراجع عن الخوف الزائد عليها، ثم أشجّعها. أُهمل السؤال عن ولديها وأصمت.
في لحظات كهذه لا نعرف أتفيد الكلمات أم تؤذي؟ ويبدو بديهياً تساؤلنا الآتي: ما معنى ما نكتبه؟ كلّ ما نكتبه؟ ما معنى الأدب والفلسفة؟ ما معنى ادعاء الأدب والتفلسف؟ فهناك مَن يدفع عينه ثمن جرأته، هناك عيون سقطت في الساحة، عيون بقيت مسمّرة على الساحة ورمزيتها ومعناها.
هناك مَن يدفع حياته ثمن التمسّك بفكرة. «صديقتي، انتبهي إلى نفسك، انتبهي إلى الحلم، إلى الثقة الذكيّة التي تكلّمتِ بها أمام أهل الغرب وأبهرَتْني، إلى الثقة بالاستحقاقات الماضية التي سُرقت وتُسرق.
انتبهي إلى عينك المبدعة وإلى يديك المسافرتين عبر الحضارات لتحكيا بالحروف حكاية مصرية».
أرسم كي أقهر الكلمات. على ورقتي وردة وجزمة عسكرية رسمتُ حولها كلمات تمثّل خطاباً يقدّم بثقة غير ذكيّة معلومات لا يمكن التأكد منها. فمَن ذهب إلى هناك، إلى ما بعد الحياة وعاد؟ الثقة الحاسمة مرض. الثقة التي لا تسمح بطرح أي بديل لها، مرعبة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077